المونديال السوريّ ..
انتهى مونديال كأس العالم، ورحل الشغف الكروي لموعده القادم بعد أربع سنوات، وبقيت في الذاكرة نسخة فريدة من المتعة والصخب والجنون فاز فيها البطل بعد طول انتظار وصبر وجهد وتعب وإرادة وتصميم، ليعود الجميع لقواعدهم سالمين، مع استمرار السوريّين بمونديالهم الخاص الفريد من نوعه في العالم.
المونديال السوري الخاص تقع المنافسة فيه بين الفريق الأول، فريق السلطات بأكملها وما معها من هياكل المؤسسات، ولاعقي الأحذية من المُدافعين والمُنجّمين وضاربي الودع بأنّ كل العالم يتحسّر على إنجازاتنا الفريدة، ويُعاني الأمرّين جرّاء انتصاراتنا المتلاحقة، والندم يفعل فعله وسيعودون صاغرين زاحفين راكعين إلينا بينما سلطات بلدنا تتدلّع وتتمنّع، ومنهم مازال ضارباً بالرمل بأنّ السماء مازالت حتى اللحظة طوع بنان السلطات بصفاءها، وكذلك تغرّد البلابل وتزقزق العصافير بعون السلطات ورحمتها .. أما الفريق الثاني المُستسلم المُنهار تماماً منذ أشرقت شمس المونديال السوريّ قبل عقود، وهو فريق الشعب، والذي ورغم الأداء المُشرّف لقواعد اللعبة وتقديم العروض المُبهرة لكنّه الخاسر الوحيد دائماً للأسف، ولا يحظى بأيّ شيء ممّا يحصل عليه الفريق الأول.
فذلك الفريق يحظى بواردات الوطن من بابه لمحرابه، وكلّ الإمكانيّات تحت تصرّف قيادته التي تختار ماتريد منها لدعم فريقها واستقراره وبناء اللاعبين من ذات الطينة، سواء من حراسة المرمى وخط الدفاع الأول من المرتزقة الذين لا يكلّون ولا يملّون من الدفاع رغم الفرص الكثيرة والحجج الدامغة التي تدلّ على ضعفهم وتشريع مرماهم أمام فريق الخصم وألعابه، لكنّهم مطمئنيّ القلوب بسبب الحكم الذي يُلغي كلّ أهداف الشعب، مُستنداً على قوانين خاصة لا تعلم أو تدري فيها منظمة أو مؤسسة في هذا العالم، أمّا مهاجمو فريق السلطة فدائماً ما يحصلون على الأهداف غير الشرعيّة، سواء بمساعدة الحكم أو بتدخّل عناصر حفظ النظام الذين يكبّلون لاعبي فريق الشعب لتسهيل مرور مهاجمي السلطة وإحراز الهدف تلو الآخر والمرمى خالٍ تماماً.
فمن يجرؤ من الشعب على اختيار مركز حراسة المرمى؟.
بل من يستطيع الثبات في مكانه في موقع الدفاع بينما الحكم ولجان المونديال المختلفة وعناصر حفظ النظام تنهال على أي منهم بالهراوات إن لم يفسح في المجال لاختراقات مهاجمي فريق السلطة.
والمساكين .. لا زالوا يؤدّون المباراة بشرفٍ وضمير رغم انعدام أجورهم مع متطلّبات المونديال، فلا ملاعب للتدريب، ولا مال لأجل الملابس أو حتى للتنقّل بين الملعب والمنزل، بل لا يستطيعون حتى تأمين الغذاء المناسب لإكمال المباراة، بل ومحرومين حتى من عقود الاحتراف التي تنهال عليهم من دول العالم لبراعتهم وتفانيهم.
فالاحتراف حصراً لفريق السلطة، حتى المعسكرات الخارجيّة هي لفريق السلطة، وكلّ الإعلام وأذونات السفر تحت تصرّف لاعبي فريق السلطة، وكلّ مباراة وفي كلّ يوم ينتصر فيها فريق السلطة وينال الجوائز والاستحسان من قياداته، ويباركون لبعضهم البعض لنيلهم الثقة وتحصيلهم الفوز، من اللاعبين إلى المدربين إلى الحكام وصولاً لصاحب الملعب والكرة ورئيس منظمتهم واتحادهم وصانعهم وجمهورهم القليل الذي لا يتجاوز عشرة أو خمسة بالمئة من عدد سكان الوطن، الذين يقتاتون على فتات موائد المعسكرات، ويحظون بمقاعد “الفي آي بي” بالمنصّات، وأحياناً يلتقطون الصور التذكاريّة مع عناصر الفريق وكأنهم حصلوا على “كارت بلانش” لدخول الجنّة ومحاسبة كفّار العالم.
المونديال السوريّ، مونديال القهر المرير والفقر المدقع، والظلم والجور الذي يقع على فريق واحد لا غير هو فريق الشعب ..
المونديال الذي يتأهّل فيه فريق السلطة لوحده، ويلعب مع فريق الشعب وحده، ويهزمه شرّ هزيمة لوحده، ويشجّع عناصره فريقهم لوحدهم، ويفوز وينال البطولة لوحده، ويعيد الانجاز كلّ يوم مخالفاً كلّ قواعد المونديالات في هذا العالم.
يبقى الأمر الوحيد الذي يتشابه مع المونديال الكرويّ الأخير، بأنّ البطل قد عانى كثيراً للفوز باللقب، وكأنّه بطل الأفلام الهنديّة الذي تنهال عليه عصابات الكون بالضرب واللبط والرفس حتى اللحظات الأخيرة، ثم ينتفض البطل ويسحقهم عصابة تلو الأخرى ويفوز وينتصر.
لقد نال من أجسادنا وقلوبنا وأرواحنا الكثير من ظلم الفريق الآخر، فريق السلطات، فمتى يقلب فريق الشعب الطاولة، ومتى يكتب التاريخ بأنه انتصر بحقّ؟.
وأنّ فريق الشعب لم يرتضي مونديال الظلم والظلام، وتأهّل مع النور لملاقاة العالم وإبهاره.
غسان أديب المعلم ..
إقرأ أيضاً .. استراتيجية الشاكرية ..
إقرأ أيضاً .. جن الربع !!..