حديث المنافي .. بو زينون الحكيم
أخرقُ في منافي الجنون
حكيمٌ يلقي المواعظ على غبار الاسمنت وأشلاء أبوابٍ
كانت تصد الريح، وتكبح فضول القوارض ..
من دستور أثينا أستظهرُ شروطَ الاستعباد وحقوقَ العبيد
وأسابقُ خيولاً تجرّ عرباتِها الباذخة..
كذكور الإوزّ يتهادى قضاة زيوس
الرجالُ المتحررون من الانحياز
ومن عبء المُلكية وأعلاف الخيول المطهّمة..
نساء أثينا الجميلات، الرائعات بحليهن وبعطورهن
بالكحل اللامع تحت أنوار أبولو المُهاب
أذكرُ كم بهرْنني بسمرتهنّ الفاتنة!..
شاعر في إيوان كسرى أنا
أسرد تفاصيل التشكيل الرائع لعرش زارا
ومن مزامير نينوى أستعير الشِّعرَ والمعابدَ والكاهنات
على آلهة البحار بكل أسمائها ورموزها ألقي القصائدَ
وأركبُ أمواج النوارس
أنا الجدير بمعابثة الأعاصير
مع كاهن عمريت نقـَبتُ أعماقَ البحار
ودفعتْ ماء الحياة في شرايين الجُزر
لتشتعل فيها الألوان، ويزهر البحر
أنا الشاعر المتيّمُ بالكرز الأحمر الناهد
الممتلئ بنذور عشتروت المقدسة
من جدائلها نسجتْ أشرعة المراكب
ومن شهد ثغرها تقطـّرَ عسل الحكمة
إقرأ أيضاً .. بلا أثرٍ .. بوزينون الحكيم
أنا ابن الأوقيانوس العظيم
المنكوب بالدماء المصلوبة على بقايا جدران وفضاء.
بالسّخف يضفـّرني العالم المتحضّر
فأتراقصُ في دخان القذائف
وألملمُ شظايا مسننة
وسحبَ بارود
وأشلاءَ أطفال تطايروا من نومهم خلف الدّمى .
مع الكلاب الشاردة ألهث، وألعن موتاً يشيد الخرابَ
بحذاء طفل “مجهول” سأدوس أعصبة الجنرالات والكهنة المخاتلين
وهاك أخرقُ آخر على مرمى قذيفة وفوهة بندقية قنـّاص
يقع على حجر رماديّ مصقولٍ
ويفكك رموزه النافرة
ثم يحك بكمّه زوايا الحروفِ
ثم ينحني وَيحكّ الطين الجافَّ
على أظلاف ظبية ترعى
نصْفُ ابتسامته ضفة ُجدول مخضّبٍ بالزهور.
والنّصف الآخر صلاة دامعة، حالمة بالغابة المطيرة
لكن الغابة المطيرة ليست خرقاء
ولا تفهم فلسفة خارج المطر والندى والطيور السعيدة ..
هل ارتجالٌ كونيّ أحمق أنا!
… لم يكن صوت المؤذِّن في الفجر
كان بوق النفير لبحَّارٍ فينيقي
يدفع البحر خلفه
ملوّحاً لشاطئ اللّازورد
لهاماتِ الجبال
صاريةٌ يداه
قلبه أرجوحةُ جوريّةٍ
من مخمل الشّآم
“إيه يا مخمل العطر
يا بردى
لم ابتردتَ الحنايا!”.
*شاعر وروائي سوري