إضاءاتالعناوين الرئيسية

المداميك الفكرية لفهم معنى القرآن عند محمد أركون.. فادي سهو

|| Midline-news || – الوسط …

.

محمّد أركون (1928-2010): باحث ومفكّر ومؤرّخ جزائري، أحد كبار الشخصيّات البارزة في عالم الإسلاميّات المعاصر، كتب باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وترجمت أعماله إلى عدد من اللغات. من مؤلّفاته عن دار الساقي: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟، نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، من منهاتن إلى بغداد، ما وراء الخير والشرّ.

يرى محمد أركون أن نزع الأسطرة عن التفاسير القرآنية هو أوّل خطوة لتجديد معنى القرآن، فالرسالة القرآنية تحفّز على التفكير وتدعو إليه في مواطن كثيرة وفي مناسبات متعدّدة، وعلى العكس تماما لا تدعو إلى الركون والجمود لأن للنصّ القرآني دينامية خاصة، فهو نص تفاعلي، خصوصًا أنّه النص التأسيسي الأوّل في الإسلام، فهو النص التدشيني المؤسّس لنصوص تأسيسية تأتي في مرحلة تالية، وهي الأحاديث النبوية.

استند أركون إلى ثلاث نقاط أساسية، وهي:

  • اللحظة الألسنية اللغوية التي تسمح لنا بالوصول إلى نظام بنيوي عميق مخفي تحت فوضى ظاهرية للنص القرآني.
  • اللحظة الأنثربولوجية التي تكمن مهمتها في اكتشاف لغة ذات طبيعة مجازية أسطورية للقرآن، كالحور العين، مثلا!
  • اللحظة التاريخية التي يندرج في إطارها أهمية تفاسير القرآن ومحدوديتها، والتفاسير المعجمية اللفظية، والتفاسير الخيالية.

فاللغة كما يقول فرديناند دو سوسور ليست مضمونا ولا جوهرا إنّما هي شكل. وقد اقترح العالم الدانماركي لويس هلمسيلف التخلّي عن المنهجية التقليدية لدراسة اللغات.

وهذا ما طبّقه صراحة العالم الياباني توشيهيكو ايزوتيو إذ طبّق المنهجية الجديدة على القرآن وأعطت نتائج مشجّعة، فبدلا من التركيز على الوحدات النصية المعزولة كالفونيمات الصوتية والكلمات، والجمل القصيرة، والعبارات، من الأفضل أن نركز على النص على أساس أنّه نظام من العلاقات اللغوية الداخلية المترابطة.

سمات اللغة القرآنية عند أركون:

  • صحيحة: مؤثّرة وفاعلة في الوعي البشري.
  • فعّالة: تربط الوعي بالزمن التأسيسي الأوّل للخلق لأنّها تدشّن زمنًا تتموضع فيه فوق كلّ زمان.
  • عفوية تلقائية: متفجرة باليقينيات المطلقة التي لا ترتكز على أي برهنة عقلانية منطقية.
  • رمزية: اللغة القرآنية لغة رمزية.

نلاحظ أنّ السمة أو الصفة الأولى التي دلّل عليها أركون هي الصحّة، وهذا يفسّر لنا أنّه لا ينكر حقيقة القرآن، لكنه سرعان ما يجعل الصحة مؤثرة بالوعي البشري، وهي تربط هذا الوعي بالزمن التأسيسي الأوّل للخلق.

من الواضح أنّ أركون يريد أن يشير إلى نقطة تلاقي المقدّس بالتاريخي، لأنّه يسلّم بصحّة القرآن وفاعليته لذلك النص القرآني يتموضع فوق كلّ زمان. بالنسبة إلى أركون يمكن مقارنة تاريخ الفلسفة بالتفاسير القرآنية من حيث المحدودية والتطوّر، بعد أن أشاد أركون بالقرآن عبر صفتَي الصحّة والفعالية، ووجدهما من خلال ربط النص القرآني بالتاريخي عبر تأثيره بالوعي الجمعي، والقرآن مليء باليقينيات الكبرى التي يصدّقها المؤمن بدون براهين عقلية منطقية وهنا نقطة الخلاف الجوهرية بين أركون ومفسّري القرآن التقليديّين أو الكلاسيكيّين كما يسمّيهم أركون.

إنّ النقد التاريخي والفيلولوجي للمستشرقين يمثّل مرحلة أولى لا بدّ منها من أجل تحليل النص القرآني وإيضاحه علميّا وتاريخيّا، ولكنّه غير كاف، ويفقد مفعوله عندما يصل إلى المرحلة الثانية، أي مرحلة التحليل الفيلولوجي الظاهراتي للمعاني القرآنية التي تمّ تلقّيها وعيشها في الوعي الإسلامي على مدار التاريخ.

يقول كلود ليفي ستروش في كتابه الفكري البرّي غير المدجّن: إن اللغة تجميع كلياني غير انعكاسي، إنّها عقل بشري له أسبابه التي يعرفها الإنسان.

يبقى محمد أركون شعلة مضيئة في تاريخ نقد الفكر الإسلامي، حرّيّ بنا الالتفات إلى ما كتب، خصوصا في ما يتّصل باللحظة الألسنية الأولى للقرآن، واللغة الرمزية المجازية التي يمكن أن تساعد في فكّ الكثير من القضايا الشائكة فكريًّا، واعتبار أفكاره مدماكًا فكريّا نردّ عليه بالنقد الموضوعي، والابتعاد عن حملات التشهير التي طالته حيًّا وميتًا، واتهمته بالكفر والإلحاد والزندقة، فنحن لسنا في عصر ابن المقفّع.

 

*روائي وأكاديمي سوري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى