اللاجئون السوريون في ألمانيا بين خيارين .. العمل أو الترحيل
ممدوح الطباع – برلين ..
|| Midline-news || – الوسط ..
لقد وصلت أخيراً !! ما أن تطأ قدماي تلك المحطة الأخيرة ، سأذهب مباشرة لأقرب مركز حكومي أو مركز تابع للشرطة المحلية , وأقول لهم أنني جئت من سورية وأريد طلب الجوء هنا ، لم أصدق أنّ هذه الرحلة شاقة إلى هذا الدرجة ، كنت أراها في التلفاز ، أرى الناس كيف يعبرون البحر ويسيرون على أقدامهم طريقاً طويلاً للوصول إلى أوروبا .
كانت جارتي ” أم عدنان ” تطلعني على أخبار زوجها الذي ذهب إلى السويد وتقدم بطلب لجوء هناك ، أختي كانت تحدثني عن صديقاتها اللواتي ذهبن إلى تركيا ومن ثم تقدمن مع عائلاتهم بطلبات لجوء إنساني في ألمانيا بعد أن عبروا البحر بقوارب مطاطية صغيرة ( البلم ) ، وركبوا بعدها بسيارة إلى أوروبا من اليونان ، كلهم مرتاحون تقول أختي ; (عايشين بأوروبا .. هنيك كلشي مأمن ! وفوق هيك بتاخدي 1000 يورو بالشهر وانتي ئاعدة ببيتك معززة مكرمة !! ) .
اليوم أحتفل بعيد ميلادي الثلاثين لأول مرة بعيدة عن بلدي وبيتي في سورية ، ” تقول أمينة اللاجئة السورية في ألمانيا ” أصعب ما في الأمر أنني وأطفالي وزوجي كنا نعيش سعداء هناك ( في سورية تقصد ) ، لكن زوجي فَقَد عمله الخاص بسبب الحرب ، ونتيجةً للارتفاع الكبير لسعر صرف الدولار أمام الليرة السورية ، الذي تزامن مع التداعيات الأمنية والاقتصادية في البلاد ، ارتفعت الأجور وأسعار الغذاء والملابس بشكل مجنون لا يصدق ، حتى أن زوجي أصبح يعمل بدوامين كاملين حتى منتصف الليل ليؤمن لقمة عيشنا وإيجار المنزل الذي نسكنه ، كان كل همّنا ألَّا يشعر أطفالنا بشيء من الاختلاف عمّا كانت عليه حالنا قبل الحرب ،
لقد فقدنا الكثير ، واليوم فقدت بعد المجيئ إلى هنا الأكثر ، فأنا مطلقة وزوجي مع إمرأة أخرى وعائلتي أصبحت مفككة ، ناهيك عن المشكلات العديدة والضغوط الحياتية الموجودة هنا وخاصة في ما يخص أمور تعلم اللغة الألمانية والعمل وتربية الأطفال ، في الحقيقة لم أجد تلك السكينة التي تحدثت عنها أم عدنان ” الجارة ” ولم أجد ذلك الكم من النقود الوفيرة التي يعطونها للاجئين السوريين هنا كما سمعت من أختي وصديقاتها اللواتي سبقونا إلى هنا ، حتى أنّ البيت الذي أعيش فيه اليوم هو صغير جداً بالكاد يتسع لي ولأطفالي ، كل شيئ يحتاج إلى الكثير من التعب ، هنا لم أعتد على ذلك !! أشعر بأنني خسرت كل شيئ لم أعد قادرة على المتابعة .
ربما أمينة ليست الضحية الأولى أو الأخيرة لكذبة الحلم الأوروبي الجميل الذي كان الكل يتحدث عنه في سورية بعد اندلاع الحرب الطاحنة فيها ، الجميع كان يقول ( يا أخي متلك متل هل العالم روح قدم لجوء بأوروبا .. هنيك بتاخد كلشي ) ، أما الواقع فهو عكس ذلك تماماً ، أتساءل في بعض الأحيان من أين جاءت كل هذه الأكاذيب ؟ و كيف ومتى تم التسويق لهذه المادة الإعلانية الوضيعة بأن أوروبا تؤمن للجميع كل شيئ وتفتح لهم كفوف الراحة خوفاً على هؤلاء من بطش الحرب الدائرة في سورية .
في الوقت نفسه لا أنكر بالتأكيد ما تقدمه الدول التي تعطي حق اللجوء للعائلات والشباب السوري الهارب من الحرب هناك ، من رعاية كاملة واهتمام لهؤلاء فهم في النهاية لهم الحق بالعيش في بيئة آمنة تخلو من الصراعات والحروب وهو من أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان وهو ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول عام 1948 ، بحيث تنص المادة الثالثة منه على ” حق الفرد في الحرية والأمان على شخصه ” .
لكنني هنا لست بوارد الحديث عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما جاء فيه من نصوص ، أو محاولة تصوير أوروبا بأنها الراعي الرسمي في العالم لحقوق الإنسان ، على الرغم من تأكيد دول الاتحاد الأوروبي في العديد من المناسبات والمحافل الدولية على ذلك ، في محاولة منها لتظهر أمام العالم مدى التزامها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالنصوص التي جاءت به ، ومدى خوفها على أمن الدول وحقوق شعوبها بالحرية والديمقراطية والعيشة الكريمة ، فهي على أقل التقدير رغم وقوفها في وجه الحكومة السورية ومحاولاتها للضغط عليها وعلى الجيش السوري واتهامهما بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب بحق الشعب السوري ، وقفت مع المتضررين من هذه الحرب وقدمت لهم المساعدات الإنسانية أياً كان شكلها ، وهو عكس ما تقدمت به دول عربية عديدة التي رفضت استقبال أخوتهم السوريين و الأنكى من ذلك حيث نصبت لهم خياماً في وسط الصحراء ليباتوا فيها ! .
إنّ اللاجئ السوري اليوم إن كان في ألمانيا أم الدنمارك أم بريطانيا ، يواجه العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي لم تكن ربما في يوم من الأيام في الحسبان ، أو أنه لم يكن ليعرف بها اعتماداً على ما روّج له عن ما تحققه بعض دول الاتحاد الأوروبي من أحلام وردية لم يكن ليحصل عليها في سورية ! ولكن الأصح هو العكس تماماً ، فإذا ما تابعنا التفاصيل الدقيقة لخط مسير اللاجئ السوري في ألمانيا فسنجد الآتي :
تبدأ رحلة اللاجئ السوري إمّا عن طريق مطار بيروت أو عن طريق المعابر بين الجانبين السوري والتركي التي تسيطر عليها فصائل ما يدعى بالجيش السوري الحر، أو ميليشيات معارضة أخرى ، يتابع مسيرته إلى تركيا ليلتقي هناك بأحد أفراد المافيات اللذين تعددت جنسياتهم ومنهم السورية ، اللذين يؤمنون رحلات من تركيا إلى اليونان عبر البحر بقوارب مطاطية صغيرة أو قوارب سياحية مقابل مبالغ مالية مختلفة ، فلكل رحلة تسعيرة ولكل وقت سعر معين .
يقول قاسم اللاجئ السوري في ألمانيا ، ” بعد أن وصلنا إلى جزيرة في اليونان ، حققت معنا الشرطة اليونانية واقتادتنا إلى معسكر مغلق قاموا بتقديم الطعام والماء والرعاية الصحية لنا لمدة قاربت الخمسة أيام ، البعض غادر بعد يوم واحد فقط ، بعد اطلاق سراحنا وحصولنا على ورقة بما يسمى ( خارطية ) وهي ورقة تشير إلى أنّ هذا الشخص تم التحقيق معه من قبل الشرطة اليونانية ” ، ” استقليت الباخرة من الجزيرة اليونانية إلى العاصمة أثينا في رحلة استغرقت ما يقارب الاثنتي عشرة ساعة ، بقيت هنالك لليلة واحدة في أحد الفنادق الرخيصة وتوجهت في الصباح التالي إلى مدينة سالونيك التي تقع على الحدود المقدونية عبر القطار في رحلة استمرت مايقارب الستة ساعات والنصف ، وبقينا هناك أيضاً لليلة واحدة في أحد الفنادق ، بعدها جاء الجزء الأصعب الذي تمثل بالسير على الأقدام حيث مشيت ما يقارب الاثني عشرة يوماً حتى قطعت الحدود المقدونية وصولاً إلى الحدود الصربية ، وتعرضت هنالك لعديد من محاولات الخطف والسرقة من عدد من قطاع الطرق (بس عدت على خير ) لسان حال قاسم ” .
استغرقت رحلة قاسم من أحد القرى الصربية حتى مدينة بلغراد ما يقارب السبعة ساعات والنصف بالقطار ، بقي هنالك مايقارب اليومين ، وتحرك بعدها مباشرة مستقلاً إحدى الحافلات التي تصل إلى أقرب قرية على الحدود الهنغارية الصربية ، قطع الحدود سيراً على الأقدام لمدة تقارب العشرة ساعات ، اعتقلته قوات الشرطة الحدودية في الغابة هناك لمدة تقارب الأربع وعشرين ساعة تعرض فيها قاسم للإهانة والضرب والشتائم لمرات عديدة ، بعدها استقل سيارة أجرة من إحدى القرى الهنغارية إلى العاصمة بودابست وبقي هناك أيضا لمدة يومٍ كامل ، ليأتي في اليوم الثاني شخص بسيارة يعمل مهرباً ويقله إلى أولى القرى الحدودية مع ألمانيا ، اعتقل قاسم في مدينة مونشن الألمانية وقام بعدها بما يعرف ( بالبصمة ) بصمة اللاجئ هناك .
بقي قاسم في ما يسمى ( بالكامب ) المخيم الخاص باللاجئين ما يقارب الشهرين ، في حين يبقى آخرون عادة مدة ما يقارب الستة أشهر لحين الحصول على الإقامة المؤقتة ، حتى ذلك الحين كان يحصل على مبلغ يقارب 145يورو ، مع تأمين مسؤولي الكامب كل مستلزمات الغذاء وما إلى ذلك ، اليوم بعد حصوله على الإقامة لمدة ثلاث سنوات ، يحصل على مبلغ يقارب ال850 يورو وهو ما يكفي تقريباً لمسلتزمات العيش وإيجار المنزل ، وهو مطالب اليوم بإتمام امتحانات اللغة الألمانية وإيجاد عمل بدوام كامل من أجل أن يغطي مسلتزمات العيش الخاصة به ، علماً أنّ قاسم يحمل إجازة في الطب البشري وقد كان يملك عيادة في الحي الذي يقطن في من مدينة حلب ، وهو ما يعطي قاسم فرصة كبيرة للحصول على فرصة عمل جيدة مقارنة بلاجئين سوريين آخرين لم يتموا تحصيلهم العلمي .
في الحقيقة يجد معظم اللاجئيين السوريين صعوبات عديدة في إيجاد فرصة عمل في السوق الألمانية ، وهو في الواقع أمراً ليس سهلاً على الإطلاق وذلك لأسباب عديدة تتجلى في اختلاف طريقة العمل بين سورية وألمانية ، اختلاف القوانين اللازمة للعاملين ، لكن يبقى العامل الأهم ألا وهو اللغة الألمانية والتي ليس من السهل التحدث بها لأشخاص لم يتقنوا لغات أجنبية أخرى من قبل أو أنهم على أقل تقدير غير قادرين على كتابة لغتهم العربية الفصحى الأم والتحدث بها بالشكل الصحيح .
بالعودة إلى أمينة اللاجئة السورية ، فإن أمينة هي الأخرى بدورها نواجه صعوبة في إيجاد فرصة عمل لها فهي لم تكمل تحصيلها العلمي في سورية واكتفت بالحصول على الشهادة الثانوية لتجد نفسها بعد ذلك متزوجة وأماً لثلاثة اطفال ، كما أنها اليوم تجد صعوبات بالغة بالتوفيق بين تعلم اللغة الألمانية وتربية أطفالها ، ناهيك عن تفكك شمل عائلتها هنالك بسبب خلاف اجتماعي حاد بينها وبين زوجها مما أدى إلى انفصالهما .
ففي حالة أمينة اليوم ( اللاجئة السورية ) هي أمام خيارين أحلاهما مر ، فهي لا تستطيع العودة إلى سورية بعد أن خسرت كل شيئ هناك وتفكك شمل عائلتها ، كما أنها في الوقت نفسه تواجه متاعب كبيرة في ظل عدم قدرتها على الانخراط بسوق العمل بسبب انعدام الخبرة في هذا المجال لديها ، في ظل ضغوطات عليها من قبل مؤسسة الشؤون الاجتماعية وتهديدها بين خيار العمل أو قطع المساعدات عنها مما سيؤدي إلى ترحيلها إلى خارج البلاد .
يبقى السؤال هنا ، كيف ستستطيع كل الفئات المهاجرة الاندماج في هذا المجتمع الغربي المختلف كلياً بعاداته وتقاليده وطقوسه عن مجتمعنا الشرقي بأدق التفاصيل اليومية من عادات الطعام إلى عادات العمل وطريقة تأسيس علاقات اجتماعية ، لا سيما في ظل الاختلاف الكبير بين الفئات المهاجرة على أصعدة عدة ألا وأهمها التحصيل العلمي واتقان مهنة أو حرفة معينة .