سورية

العيد ما بيمرق عالمساكين

ماهر المونس .. دمشق .. يتسلّل سمعي إلى صوت جارنا الذي يقطن في أسفل الحارة، بعد أن تحوّل محلّه إلى نصف منزل، إثر نزوحه من بيته في بلدة المليحة بريف دمشق قبل ثلاث سنوات، ولجوئه مع عائلته إلى مكان عمله.

لا جدار يفصل بين المحل ويبن المنزل، هو ذاته البيت ليلا، وفي النهار تُزال الفرشات ويصبح المكان تدريجيا مساحة للبيع والشراء، فقد قُسّم المكان بواسطة قماش أسود دون أن يحبس هذا القماش همس العائلة أو صراخها.
“ع العيد” هي العبارة التي كان يمازح فيها “أبو حسين” أبناءه حينما كانوا يسألونه عن الحلويات أو اللحم،وأعي جيدا أنه مرّ وقت طويلٌ لم أسمع فيها هذا المُزاح، فقد أدركت العائلة أن العيد جاء وسقطت “الكذبة البيضاء” أمام سوداوية الواقع..

يمرّ حسين، أحد عشر عاما، بجانب محلّ أبيه، ويقطعه دون أن يرمق والده المذنب بدون ذنب، وأشعر أن كلاما ثقيلا في فم حسين تمنّى لو يلقيه في وجهه..
لا يتمتم حسين، ولا يتطلب متطلبات الأطفال، وفي عينيه ألف رجل يقدحون شررا وحقدا، وبين يديه شقوق الانتقام من الجميع..
تستوقفني نظرات هذا الرجل الصغير، وكأنها تعاتب والده الفقير “لقد جاء العيد يا والدي، فأين أنت من وعودك المتراكمة على ظهر العيد”..
“ع العيد، ع العيد…” كل موعد مؤجل أو متعذّر الحصول الآن، هو موعد قد يمسي ممكنا “ع العيد”
مع كل عيد، تتشكّل طبقة جديدة من الدمع الجامد في عيون “حسين” وآلاف الأطفال، تتحوّل مع الزمن إلى قسوة لن يمحوها مرور الزمن، ولم يبقَ من العيد إلا مناسبات التذكر لآلاف الوعود الكاذبة، التي تسقط وتتراكم مع كل عيد..

هامش: كيلو “اللحم” في عاصمة الحزن اليوم يساوي ستة آلاف ليرة سورية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى