“العدوان السداسي” .. غسان أديب المعلم ..

“العدوان السداسي” ..
لم يجفّ حبر البيانات بعد، حتى قامت القوّات التركيّة بالعدوان وقاحةً وعلانيّةً على نقاط تابعة للجيش العربيّ السوريّ، أسفر عن سقوط عدّة شهداء وجرحى، مع إعلان النفير والتأهّب على الشريط الحدوديّ الفاصل بين البلدين، في إشارةٍ إلى عودة الوحدات العسكريّة والمطالبة بمسافة أمان ضمن منطقةٍ عازلة كانت ولازالت هدفاً تركيّاً مهما كانت الأسماء في مركز القرار السياسيّ للبلاد.
وبالعودة إلى بيان القمّة الروسيّة التركيّة التي سبقت العدوان، وتسابقت مع سابقتها الثلاثيّة بالإعلان وفق بياناتها على حرص الجميع على وحدة وسلامة الأراضي السوريّة، فإنّ ماسبق وتكدّس من بيانات لم تحترم أيّ كلمة، وأكّد المؤكّد بأنّ لا عهد ولا ميثاق لدى الجانب التركيّ، مع إضافة عدم اكتراث يعد بمثابة الضوء الأخضر من قبل ما يُسمّى بالحلفاء، وكلّ ماجرى ويجري يخدم تركيّا، وليس في المسألة السوريّة فحسب، بل في كافة الأحداث العالميّة من ليبيا إلى العراق فتونس ثم أذربيجان وإيران وأوكرانيا.
فالموقع الجغرافي والوزن الأطلسي لتركيا أعطاها حيّزاً بالتماهي والتباهي أكثر فأكثر على جميع الجبهات، وأن يسعى الجميع إلى كسب ودّها لترجيح كفّة الميزان لصالحه ولو كان الثمن هو التغاضي عن العدوان على سوريا، وهذا الأمر من جهة الحلفاء، والتغاضي عن العدوان هو عدوان من نوع آخر..
وألف باء السياسة تقول بأنّ المصالح هي الرقم واحد في الأجندة، وكثير من السوريّين وبالغالبيّة يعرفون ويحذّرون من هذا الأمر، وأنّ شذّاذ محلّلي السلطة في أوهامهم المُلقّنة، يعمهون بتعويم حالة الانكسار التركيّ وإذعانه وزحفه بإتجاه إعادة العلاقات وجنوحه إلى السلم.
وسبق وأن ذكرنا وذكّرنا بالاتفاق الملّي التركي، مع ذكر بديهيات السياسة بأنها مصالح، فالحليف الروسيّ الغارق في حربه مع أوكرانيا لن يجازف بخسارة الجانب التركي رغم أنه محسوب على الجانب الأطلسي، وعلى الأقل ضمان حياده أمام العداء المباشر له، وهذه المصلحة هي الأهم طالما أن الاتفاق مع تركيا بالشأن السوريّ لم يبعدها عن التواجد في أجندة الحلول، ولو كان ذلك الأمر عبر التواجد ضمن دوريّات مسيّرة مشتركة للشرطة العسكريّة الروسيّة مع نظيرتها التركيّة.
ذات الأمر ينطبق على الحليف الإيراني الغارق في مفاوضاته النوويّة مع أمريكا ودول الاتحاد الأوروبيّ، وبالتأكيد ليس في صالحه خسارة الجانب التركيّ الشريك المهم في ميزانه التجاري، والفناء الخلفيّ الأطلسي، فمصلحة البلاد أهمّ وأبقى.
أمّا على المقلب الآخر، فثمّة من لاينفكّ عن العداء تجاه سوريا من مهده حتى آخر لحظاته، والاعتداءات الإسرائيليّة استثمرت الأوضاع بما يخدم مصالحها وأطماعها سواء بضرب العدو الأكبر لها وهو السوريّ، متذرّعةً بعدوّها الإيرانيّ مع ضمان حياد الجانب الروسيّ، وعودة العلاقات الدبلوماسيّة الكاملة مع تركيا، لتصبح سوريا فعلاً بين فكّي كمّاشة.
وفي معمعة المعارك الدائرة يلعب الشيطان الأكبر دون حسيبٍ أو رقيبٍ يُذكر على الأرض، عبر سرقة الموارد والثروات من جهة، ودعم عديد الأطراف اللاشرعيّة من جهة ثانية، وإيصاله الرسائل التي تدلّ على تواجده في فرض الحلول عبر مفاوضات اللجنة الدستوريّة رغم عدم تمثيله الدبلوماسيّ، فدستور “بريمر” جاهز كبديل، وسيناريو العراق حاضر، ويبقى مردّ كلّ أمرٍ إليه في نهاية الأمر.
وآخر عدوان، ولو اختلفت تفاصيله بين عسكريّ وموقفٍ متخاذل، وبين تسميات الحليف والعدوّ، هو العدوان السادس على الشعب السوريّ المنهك بالجراح، عبر القرارات والسياسات الداخليّة التي أردته رهين الوهن والعجز، فالبلاد تسير بخطىً مُتسارعة نحو الانهيار الاقتصاديّ والشلل التام أمام مضاربات تجّار الأزمات المُصطنعين بالدولار، وأمام الفشل الذريع للسلطات في إيجاد ولو حلّ صغير لارتفاع الأسعار، أو ضبطها على أقلّ اعتبار، أو حتى إيجاد متنفّس صغير يستطيع به الشعب التقاط أنفاسه.
كلّ المؤشّرات الاقتصاديّة تُشير إلى تضخّمٍ كارثيّ مُقبل، مع انهيار وضع الليرة، مع توقّف الإنتاج في أكثر من مجال، بالموازاة مع ارتفاع معدّلات الجرائم والانتحار والهجرة، وتدنّي مستويات التعليم والثقافة بشكلٍ عام.
ورغم كلّ هذا الانحدار لا توجد دعوة صريحة إلى الحوار لمعالجة الأسباب ووضع الحلول، بل كأن شيئاً لم يحدث، مادامت الصرخات ضمن ماهو مطلوب ضمن قالب التذمّر والسخط على مكوّنات الحكومة، مع السخرية من باقي التصريحات والمواقف والأشكال من باقي المسؤولين.
وعليه، وفي ظلّ هذا العدوان الجماعيّ، فلا بشائر خير ترتجى، ولا بيارق أمل، إلّا اللهمّ ما استشهد به مظفّر النوّاب، بأن هذه البلاد مكتوبٌ عليها المرور بالخراب لتحيا.
وبين كلّ عدوانٍ وعدوان، نصرخ لعلّنا نحيا دون خراب.
*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب