فضاء الوسط

العبث بسيكولوجية المرأة وتنميطها .. سامر منصور

العبث بسيكولوجية المرأة وتنميطها ..
تلعب الآداب؛ خاصة تلك المُستمدّة من تراث المنطقة العربية وجوارها، بالإضافة الى أفلام السينما والمسلسلات، دوراً يُعزّز تمسّك المرأة العربية بامتيازاتها اللاموضوعية.. إذ تُظهر هذه الفنون المرأة ككائن بهي أنيق مُتزيّن يقبع في مكان ما في انتظار أن يذبح البطل التنين، أو أن تُقام حرب بين ممالك، أو اشتباكات بين عصابات كي يتمّ تحريره في النهاية ويمنح قبلة دافئة للبطل المُخلّص.
تعرض معظم هذه الفنون المرأة كمفعول به وليس كشريك وفاعل في المجتمع. إلاّ أننا نراها في مركز نفوذ وقوة حين تكون نائبة رئيس العصابة أو عشيقته، أي أنها تحتّل دور الفاعل فقط إن قرّرت استثمار جمالها وممارسة ألعاب الغواية مع الأسف!! والرأسمالية العالمية تُكرّس الطابع “الأميري” للأنثى كونها أكثر كائن مُتطلّب ومتلاف ومَعني بالمظاهر، أي أكثر كائن مُستهلك وتتمُّ تلبية متطلباته من قبل محيطه الاجتماعي بحكم كونها أجمل كائن سواء كانت ابنة أو حبيبة أو أم أخت مُتطلِّبة. فتتعرض الأنثى للتدجين والقولبة بحيث يتمُّ إدماجها وتأطيرها وفق عادات المجتمع وأعرافه، التي تفرض سلوكيات معيّنة على الناس حسب العمر والجنس والمكانة الاجتماعية.

لعل المرأة العربية هي أكثر كائن اتباعي، وهذه الاتباعية هي مزيج بين الاتباعية القسرية والاتباعية الاختيارية. في البنية النفسية لدى جميع الكائنات، يسعى الجيل الصاعد في مُقتبل الشباب إلى انتزاع مكانة له في مجتمعه والاعتراف به كفرد ناضج وكيان يتمتع باستقلاليته، وهنا يبدأ سعي الفتيات الحثيث إلى مُحاكاة أمهاتهن وأقاربهن الناضجات وتقليدهن في السلوكيات والتصرف، ويضمن ذلك التبنّي غير الواعي ، تقديم الطاعة للرجل والإعلاء من شأنه. وهو ما يساهم في العبث بسيكولوجية المرأة وتنميطها.

العبث بسيكولوجية المرأة

إذاً، بإمكاننا القول إن الإناث في بلادنا العربية تتعلّم الاندماج، وتتقبّل وتتبنّى مفاهيم مجتمعاتنا عن الأنثى وتُقيّد نفسها بها بسبب ضغوط وقمع يمارسه الذكور، وبسبب ضغوط ومطالبات من الإناث الأكبر سنّاً في المحيط الاجتماعي، ولأن الأنثى كائن مرهف وحسّاس، فسعيها لتحصيل القبول في محيطها الاجتماعي يفوق سعي الرجل.
وإن أردنا الحديث عن مجتمعات أخرى فالإعلام يلعب دوراً هائلاً في تكريس الأنثى في دور اجتماعي أقلّ قيمة من الرجل، أي
العبث بسيكولوجية المرأة وتنميطها.. إذ يجري التركيز على أهمية المنحى الجمالي والشكلي للأنثى وتقديمه على أيّ شيء آخر يمكن أن تقوم به. لذا نجد الأنثى البشرية قد وصلت في بعض الأحيان إلى مرحلة تسير فيها وتتحرّك “تتشخلع وتتغنج وتتغمّى” بطريقة مثيرة للغرائز، حتى لو كانت في مكان يتطلب منها الجدية، كأن تكون في العمل أو على باب غرفة عمليات تنتظر نتائج عمل جراحي لأحد من أقاربها، …الخ وكأنها أضحت مُبرمجة على ذلك. بينما لا تُمارس أنثى الحيوان حركات تُرسل من خلالها إشارات جذب للجنس الآخر إلاّ خلال مواسم التزاوج أو في وقت وجيز من يومها، وتمضي بقية نهارها منهمكة في تحصيل رزقها ورزق عيالها وحمايتهم ورعايتهم.

ومن أكثر الفيديوهات المُعبّرة التي شاهدتها في حياتي فيديو لفتاة ألمانية في سن الخامسة عشرة تطالب والديها السماح لها بالانخراط في أنشطة رياضية وفعاليات أخرى تشبه تلك التي يضطلع بها شقيقها الذي يصغرها بعامين قائلة: “لماذا عليّ القيام بالمسائل التافهة بينما هو يحظى بالأنشطة والأمور الشيّقة والممتعة ويتعلّم أموراً جديدة. أنا أيضاً أريد تعلّم السباحة وركوب الدراجة، ولا أريد الذهاب مع أمي لتسوق الطعام ومساحيق التجميل”.
وفي فيديو آخر لفتاة أمريكية في سن الثالثة عشرة تقريباً كانت الفتاة في متجر يبيع ثياباً لكلا الجنسين، وكانت تتذمّر من أن ثياب الفتيات “بلوزات وكنزات وسترات” تحمل رسوماً وعبارات سخيفة كصورة لشفاه كبيرة، وعبارات مبتذلة وأشكال وصفتها بالغبية كقوس قزح يظهر تحته مُهر له قرن وجناحان، بينما ثياب الفتية عليها عبارات تحفيزيّة تبعث الأمل وتحضُّ على خوض الحياة والتجارب، ومن تلك العبارات “لا شيء مستحيل” و “اجعل حلمك عالياً في السماء حتى لو أخفقت ستنتهي بين النجوم” و “لا تستسلم”…الخ

تنميط المرأة

وفي ظلّ الأحداث الدموية التي عصفت بدولٍ كالعراق وسورية وليبيا.. واحتفاظ وزارات الدفاع بالكثير الكثير من الذكور واستدعاء الاحتياط في بعض تلك الدول، إضافة إلى انخراط عشرات آلاف الذكور فيما يسمى القوات الرديفة.. كل هذا ترك المجالات مفتوحة أمام المرأة للعمل، لكن من جهة أخرى أصبحت تتحمّل مسؤوليات جساماً، فقد تضاعف جهدها على صعيد الأسرة، واضطرت للعمل أيضاً لتعويض غياب الرجل أو عجزه عن تلبية المستلزمات اليومية بسبب الغلاء. وستستفيد المرأة عموماً من تكريس وجودها في المؤسسات الخدمية وشركات القطاعين العام والخاص في هذه المرحلة.
لكن تبقى المشكلة في نظري هي عند المرأة العاملة التي تذهب إلى عملها بكامل زينتها وأناقتها وكأنها ذاهبة إلى سهرة لتمارس حالة استعراضية في محيطها الاجتماعي! نلاحظ أن المرأة في الدول المتقدمة “عملية” في معظم الحالات، فهي ترتدي ما يُناسب طبيعة عملها، وتتزيّن للخروج ليلاً بعد العمل، بينما نجد المرأة العربية، في حالات ليست قليلة، تبدو كأنها لم تنم نصف ليلها وهي تتزيّن لتكون حاضرة في وظيفتها في الصباح الباكر بكامل أناقتها وجمالها الحقيقي والمستعار والمزيف!

وإذا أردنا الحديث عن أزمة الكيل بمكيالين في نظرة المجتمع وتعامله مع المرأة، نجد أنه لا يوجد تمييز يُذكر بين الجنسين في الطفولة، ولكن في سن المراهقة يبدأ الجميع في تكوين تصوراتهم عن المجتمع، والعلاقات الاجتماعية والمفاهيم والقيم.
ولنتحدث عن مفهوم “الأنثى” في المجتمع، الذي تسعى المراهقات إلى التطابق معهُ، وهنا أتفق مع الفيلسوفة الوجودية الفرنسية سيمون دو بوفوار فيما ذهبت إليه في كتابها “الجنس الآخر”، وهو كتاب نتج عن تحقيق وأبحاث في التعريفات الشعبية للأنوثة، تقول: “نحن لم نُلد نساء بل أصبحنا نساء”. وتقصد هنا الجندر “الجنوسة” بمعنى “النساء” كمفهوم أي إنسان يُناط به وظائف اجتماعية تُشكّل مُحدِّدات لشخصيته وطرائق تفكيره وخياراته وسلوكه وفقاً لجنسه، فالأنوثة وممارسات؛ ليست مُتأصلة، لكنها تركيبة يجري اكتسابها عبر التنشئة الاجتماعية للحفاظ على هيمنة الرجال. وترى أنه عبر التاريخ تتم معاملة المرأة بشكل أدنى من الرجل لثلاثة أسباب:
– أن تلبي حاجات الرجل، وبالتالي لا وجود لها إلاّ في سياق مع الرجل.
– الالتزام بالتعليمات الشكلية لقبولهنَّ وإثبات قيمتهنَّ.
– كان لدى النساء تاريخياً حقوق أقلّ، وبالتالي لم يكن لديهنَّ تأثير على الرأي العام.

تستخدم دو بوفوار تشبيهاً لتوضح إشكاليات “مفهوم الأنوثة” فتقول إن المرأة تُعامَل مثل “دمية حيّة”، وتُعتبر الدمية أداة قوية لتطوير الشخصية، بحيث تتعلّم الفتاة عبرها كيف تلبس وتتزيّن وتعتني بشكلها وهي مازالت قاصرة عن اتخاذ القرار. بملء إرادتها تتعلم الفتاة تشييء نفسها كما يفعل الرجال بها. إن الدمية مطيعة ويتمثّل دورها في أن تكون أنيقة وأن تسمع أسرار مالكها، ينبغي أن تواسيه عندما يكون وحيداً، وتبقى في المنزل عندما يذهب إلى الدراسة أو العمل. ومن وجهة نظر دو بوفوار فإن الفتاة عندما تكبر تجد نفسها في الأوضاع ذاتها لدميتها، وعندما تصبح امرأة سيكون دورها أن تجذب زوجاً بجمالها “كدمية جذابة في واجهة محل تنتظر من يتلهف لنقلها إلى بيتهِ”. ويجب عليها أن تحافظ على جمالها كي لا يذهب الرجل إلى أخرى أو يبتعد عنها، وعليها أن تستمع إلى مشاكلهِ وهمومهِ بهدوء وتنتظرهُ في المنزل بينما يُمارس هو مختلف جوانب الحياة العملية. إنها “إكسسوار” سواء كانت من البلاستيك أم من لحمٍ ودم. وأشارت الباحثة دو بوفوار إلى أن الأنثى حتى لو لم تكن متزوجة فستبقى مُتعلّقة ومقيّدة نفسها إلى معايير الرجال للأنوثة، من خلال ضغوط خارجية، مثل موجات الموضة وعالم التجميل التي تساعد جميعها على “سرمدة” تشييء المرأة.
ولكي تتحرر المرأة عليها أن تُدرك أن معظم المعايير الاجتماعية مركّبة، وعندئذ فقط سيكون لديها الحرية في الإفلات من سياق ظروفها وتحديد مصيرها بنفسها.
.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك