العناوين الرئيسيةمنوعات

الصوف الكشميري “الذهب الناعم”.. ضحية الصراع الحدودي بين الصين والهند

“الصوف الكشميري” أصبح هذه الأيام جزءاً من الصراع الحدودي القائم بين الصين والهند، وباتت هذه السلعة النادرة، مهددة بالانقراض والاندثار، بعدما تحوّلت المراعي الكشميرية مناطق عسكرية بامتياز.

لطالما تناهى إلى مسامعنا، ونحن نجول في متاجر الألبسة، بحثاً عن ملبوسات جميلة وذات جودة عالية في الوقت نفسه، مصنوعة من “الصُوف الكشميري”، من دون أن نعلم أنه كان اللباس المفضل لزوجات الملوك والحكام والسلاطين، وقد حافظ على فرادته، حتى عصرنا الحاضر، إذ تتباهى بعرضه دور الأزياء، ويحرص خبراء الموضة والباعة، على الترويج له والنصح به، كونه يُعدّ رمزاً للأناقة والجمال.

لكن، ما لا يعرفه البعض، أن “الصوف الكشميري” أصبح هذه الأيام جزءاً من الصراع الحدودي القائم بين الصين والهند، وباتت هذه السلعة النادرة، مهددة بالانقراض والاندثار، بعدما تحوّلت المراعي الكشميرية، شمال بحيرة بانغونغ في جبال الهيمالايا، والتي يتغذى منها ماعز “الباشمينا” (الذي تؤخذ منه الأصواف) مناطق عسكرية بامتياز، وحُرم سكانها الأصليون من ارتيادها، بعدما كانت لقرون مصدر رزقهم الوحيد.

موطن “الصوف الكشميري” وطريقة إنتاجه

لقرون، احتضنت منطقة الهمالايا المراعي الغنية، لا سيما منطقة تشانغتشانغ حيث يعيش تشانغباس، شعبٌ تبتيٌّ شبه بدويّ، اشتهر بإنتاج صوف الكشمير الباشمينا – “الذهب الناعم” الذي كان يفضّله ذات يوم الملوك المغول والإمبراطورة جوزفين، زوجة نابليون.

تميّز هذا الشعب بتربية “ماعز الباشمينا” في هذه الجبال، على ارتفاعات تتجاوز 17000 قدم. والأهم أن هذا النوع من الماعز، ينتج معاطف ناعمة تشتهر بدفئها الشديد وخفة وزنها، فيما تقوم الاُسر القاطنة في هذه المناطق بقصّ الصوف ونقله إلى وادي كشمير المجاور، حيث تنسج عائلات الحرفيين المهرة الألياف الخام على أنوال خشبية في شالات متلألئة وملابس وبطانيات.

ومنذ القرن التاسع عشر، تم شحن هذه الصادرات المرغوبة من كشمير إلى مشترين متحمسين في أماكن بعيدة مثل باريس ولندن، ووصلت إلى جميع أنحاء أوروبا، واللافت أنه، حتى اليوم، لا يزال الكشمير – الكلمة الإنكليزية المشتقة من اسم المنطقة – مرادفاً لأجود أنواع الصوف، حتى لو كان معظم الكشمير الآخر، يأتي بالفعل من منتجين في الصين ومنغوليا وأفغانستان.

ما علاقة الصوف الكشميري بالنزاع الحدودي الهندي – الصيني؟

 في العام 1962، شهدت المناطق الحدودية بين الصين والهند، في منطقة جبال الهملايا، لاسيما منطقة لاداخ الكشميرية (مركز المراعي الغنية)، حرباً كبيرة بين جيشَي البلدين.

وعلى مرّ العقود، استمرت التوترات الحدودية بين البلدين، إلى أن جرى في الآونة الأخيرة، حظر أماكن التغذية (المراعي)، شمال بحيرة بانغونغ، حيث يأخذ القرويون ماعزهم إليها في فصل الشتاء، وبالتالي أضحت منذ هذا الصيف، جزءاً من منطقة عازلة (بين القوات الهندية والصينية) بعرض ميلين في منطقة لاداخ الواقعة في جبال الهيمالايا، كخطوة مهمة نحو احتواء التوترات بين الجارتيْن العملاقتيْن.

و قوبلت هذه الخطوة بالترحيب من كلا البلدين (وبشكل أقل في لاداخ) في أعقاب سلسلة من المناوشات الحدودية بينهما.

 وتعقيباً على ذلك، قال كونشوك ستانزين، ممثل الحكومة المحلية في لاداخ، “تقع الآن جميع مناطق الرعي الشتوية لدينا، تقريباً، تحت مناطق عازلة متفق عليها حديثاً، وقد أُنشئت على أرضنا فقط، ولم تخسر الصين أي شيء على الإطلاق “.

 وفي السياق ذاته، أحدث انسحاب الهند المطّرد من مناطقها التي تطالب بها تاريخياً، استياءً ونقمة في القرى الجبلية الكشميرية الصغيرة النائية، التي قال سكانها “إننا نتنازل عن المزيد والمزيد من الأراضي للصينيين”.

كيف أثرت المناطق العازلة في صناعة “الصوف الكشميري”؟

قبل حزيران/ يونيو 2020، عندما أدى اشتباك مميت بين القوات الهندية والصينية إلى مقتل عشرات الجنود، وتسبب بإغلاق المناطق التي كانت توجد فيها سابقاً قطعان تشانغباس، كان الكيلوغرام الواحد من الكشمير الخام يكلّف 120 دولاراً، أما الآن فيبلغ سعره نحو 220 دولاراً تقريباً.

أكثر من ذلك، يشكو تجار النسيج في سريناغار، العاصمة الصيفية لكشمير، من انقطاع توريد صوف الكشمير الخام، ويتخوفون من انخفاض كبير في ماعز الباشمينا، “إذا استمر هذا الصراع“.

وبالمثل، وفي منطقتي لاداك وكشمير الهنديتين، يقول الرعاة والنساجون على طرفي تجارة الصوف إن الصعوبات التي يواجهونها تتزايد.

ومن هنا، دفع انحسار أراضي الرعي المسؤولين الهنود إلى التدخل، إذ قدمت الحكومة المحلية لتربية الحيوانات والأغنام في لاداخ، نحو نصف مليون كيلوغرام من علف الماشية إلى منطقة تشانغتشانغ، موطن تشانغباس، والتي كانت قبل حزيران/يونيو 2020، متاحة للرعاة والسكان الذين عمد بعضهم، نتيجة هذه المتغيّرات، إلى بيع أعداد كبيرة من الماعز لديهم، والاحتفاظ بالقليل منها؛ لتلبية الاحتياجات المعيشية.

كيف هي الأوضاع في المنطقة حالياً؟

في الحقيقة، كان الرعاة يجتمعون في “هوت سبرينغز” ووادي نهر كوجرانج (بمنطقة لاداخ)، حيث توجد المياه العذبة والعشب، حتى في فصل الشتاء، الذي يعدّ موسم التكاثر الرئيسي لماعز الباشمينا.

لكن، هذه الأيام، باتت هاتان المنطقتان محظورتين، وتُعدّان جزءاً من مناطق عازلة جديدة.

وليس هذا فحسب، إذ أكد ممثل الحكومة في منطقة لاداخ، وقادة محليون آخرون، إن الرعاة منعوا، مؤخراً، من الوصول إلى منطقة أخرى، ما جعلهم يعتقدون أن الجيش الهندي يستعد للانسحاب من مساحة شاسعة تُعرف باسم نقطة الدوريات 16، الأمر الذي سيحوّل مساحة 150 ميلاً مربعاً في وادي نهر كوغرانج إلى منطقة محظورة على السكان المحليين. وعليه، إذا تم إخلاء الوادي، فسيتم عزل الرعاة عن منطقة أكبر، تبلغ نحو 400 ميل مربع، وفقاً للقادة المحليين.

وما زاد الطين بلة، هو تحذير المسؤولين العسكريين والمحللين في الصين والهند والولايات المتحدة، التي دعمت الهند من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية والإمدادات في مواجهتها الشديدة مع بكين، من أن الحدود لا تزال متوترة، على الرغم من المناطق العازلة.

ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال مانوج باندي، قائد الجيش الهندي، في مؤتمر صحافي عقده في نيودلهي إنه لا يرى “انخفاضاً كبيراً” في مستويات القوات الصينية بالقرب من لاداخ.

وفي 9 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اشتبك الجنود الهنود والصينيون بالهراوات والقبضات في أروناتشال براديش، وهي ولاية هندية تقع في أقصى الجنوب والشرق على طول الحدود التي يبلغ طولها 2100 ميل.

 وكان سبق ذلك، إعلان الهند في آب/ أغسطس الماضي، أنها ستنشر زوارق هجومية برمائية في بحيرة بانغونغ.

أما المفاجأة الكبرى للسكان والرعاة في منطقة الهمالايا، فهي قيام الصين على الجانب الشمالي من بحيرة بانغونغ، ببناء منشآت رادار وقاعدة عسكرية، محاطة بالخنادق، يمكن أن تكون مركز قيادة لفرقة قوامها 10 آلاف جندي، تضم منشآت رادار جديدة، ومرابض مدفعية للجيش الصيني، وفقاً لتقرير صدر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي من قبل خبراء صور الأقمار الصناعية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن.

في المحصلة، هي لعنة الجغرافيا السياسية، التي أصابت هذه المرة “الصوف الكشميري”، وجعلته ضحية صراع حدودي يدفع ثمنه الأبرياء، بصرف النظر عن الجدل الدائر حول هوية المعتدي أو المُعتدى عليه.

المصدر: الميادين نت
صفحاتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى