العناوين الرئيسيةحرف و لون

“الشبابيك” … نجد سعيد

اللوحة : عبد الرحمن مهنا

 

“خدني معك ياحب شي مشوار … وع السكت وشوشني اسرار اسرار”.
ع السّكت بيحكي بيتنا العتيق بالشام حكايات الناس اللي عاشوا ومرّوا عليه”.
.
لأنّه البيت بقي كما هو، بـ الشبابيك التي تكسّر جزء من خشبها.. شباك المطبخ أعلن العصيان ولم يعد يقبل بنصف الأشياء، إما يكون مفتوحاً على مصراعيه أو يكون مقفلاً بالكامل.
أما شباك غرفة أمي مازالت الشريطة المربوطة حول حلقته ترضيه ربما امتناناً لسيدة البيت التي رحلت وتركت عبقها في كل الأماكن.
الجزء المتبقي من حنفية المطبخ السفلية التي تمت إزالتها عندما اكتشفتها الحفيدة الأولى للعائلة/ ابنتي ومازال الجميع يتذكر شهقة فرحها بالماء البارد المنسكب بسخاء، الحمامات المتآلفة الواثقة تحط على درابزين البلكون الوحيد الذي لم يتغير، لا قرميد يغطيه، ولا حتى الشبابيك ألمنيوم تحجب الشمس وتشوه المكانن بل صوفاية قديمة تدعو لارتكاب كل أنواع المتعة.
.
هيهات يطلوا الحلوين … لافرش ع دروبن ياسمين وبقلبي يحلوا”.
هكذا بغنّي بيتنا عندما نزوره وينادي:
هيهاااات يحنّوا عالدار هيهات يحنّوا..
ينادي على البقية الذين طال غيابهم. أٰشفق على الذين انقطع حبلهم السرّي مع المكان الأول! وكلما غمرني الحب بالشام/ بيت الأهل، أتيقّن كم نحتاج لإعادة الوصل مع الدروب والطرقات والحارات التي تلتفت إلينا وتتذكرنا، ولعلّ بقاء حارتنا على حالها وكذلك بيتنا يسهّل علينا الاستسلام للدموع والحزن البهيج كلّما مرّت أمامنا التفاصيل التي تحكي قصص الحزن والفرح لمن كبروا هنا والكلام الذي قرأته عن الجمال الحزين الذي يشوب الأشياء المكسورة يبدو كأنّه قيل عن بيتنا تحديداً.
.
من أفراحي الصغيرة النوم في السرير القديم، في تلك الغرفة المطلة على “اوتوستراد المزة”، ومروحة السقف تدور على أقل درجة ولكنها تصدر صوتاً خشناً. ومن الشبابيك هناك شباك الغرفة المفتوح.. تصل منه أصوات ضحكات من “بلكونتنا”.
أميّز ضحكة ابنتي من بقية الضحكات، أقاوم الكسل وأنوي النهوض، يسبقني أحدهم إلى الدوش وعلى صوت المياه المتدفقة أستسلم لتلك الإغفاءة الهانئة.

و… “خدني معك ياحب شي مشوار … وع السكت وشوشني اسرار اسرار”.
.
*كاتبة من سوريا- الكويت
*اللوحة للفنان التشكيلي عبد الرحمن مهنا- سوريا
.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى