العناوين الرئيسيةمرايا

الدرّاجة، الاختراع المغبون (ترجمة حيّان الغربي)

الدرّاجة، الاختراع المغبون – جودي روزين- “الخير على عجلتين” عام 1896. ذي اكونومست.
ورد نبأ صحفي كلاسيكي على صفحات إحدى الصحف الأكثر تأثيراً بين صحف جوزف بوليتزر، وهي صحيفة “العالم- ذا وورلد” وقد تعلّق النبأ بحكاية إحدى الأسر المهدمة. “كان هنري كليتينغ وزوجته يعيشان معاً بسعادةٍ فيما سبق، غير أنهما اليوم يخوضان معركة الطلاق أمام المحكمة لا لشيءٍ إلا بسبب دراجتها وبنطالها الأحمر الفاقع”. وفقاً لما جاء في الصحيفة. فما أثار حنق كليتينغ هو أن زوجته “كانت تقوم بجولاتٍ طويلةٍ على دراجتها مهملةً واجباتها المنزلية”.
في نهاية المطاف، بعد أن عادت من إحدى جولاتها الطويلة تلك “تناول زوجها فأساً وأخذ يحطم الدراجة، فقطع المكابح وشق الإطارات وأتلف الهيكل”، الأمر الذي وضع حداً لزواجهما “وتم إرفاق البنطال كدليل ضمن قضية الطلاق”.
ترد هذه القصة القصيرة ضمن مجموعة من مثيلاتها من قصص أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين مما جمعه جودي روزين، الصحفي المقيم في نيويورك، لكتابه الجديد حول الدراجات. وهو يأخذ على عاتقه إماطة اللثام عن “تاريخ وغموض” وسيلة النقل الأكثر شعبيةً على مرّ تاريخ الإنسان، هذا إذا ما استثنينا قدميه طبعاً، إذ يفوق الإنتاج السنوي للدراجات في الصين وحدها ما ينتجه العالم برمته من السيارات. وعلى مستوى العالم، ما يقارب من نصف البيوت تقتني الدراجات، وهو عدد كبير جداً مقارنةً بعدد السيارات. وعلى حد تعبير روزين: “لقد تم تصميم المدن والبلدات التي نعيش فيها والاقتصادات والقوانين التي تنظم حياتها بما يلائم السيارات، كما أننا نتنقل بين القارات باستخدام الطائرات، ومع ذلك نحن نعيش على كوكب الدراجات”.
مع ذلك، وعلى الرغم من أن أي طالب يدرس الأعمال يعلم كيف أوصل هنري فورد السيارات إلى عموم الناس، وكيف غيّر ذلك التطوّر المجتمع بعمق، إلا أن قلّة هم من يدركون تماماً مدى التحوّل الذي أحدثته الدرّاجة.
ففي نهاية العصر الفيكتوري، على سبيل المثال، أتاحت الدراجة للمرأة فرصة الخروج والتنزه وحيدةً مشرّعةً الباب أمام عصر من التحرر الجنسي قبل فترةٍ طويلةٍ من حبوب منع الحمل. ويروي روزين كيف غيّرت الدراجة من الحرب نفسها، فإبان حرب البوير كان الكشّافة الأفريقيون سبّاقين في استخدام الدراجات لشنّ هجمات الكرّ والفرّ ضد البريطانيين، وبعد 70 عاماً، اعتمد الفيت كونغ على الدراجات لنقل المؤونة عبر الأدغال بما شكّل عوناً لهم في إنزال الهزيمة بالولايات المتحدة. وفي ساحة تيانانمن في العام 1989، حمل المحتجون اللافتات على دراجاتٍ هوائية. وفي إطار ردّها على الاحتجاجات، قامت الحكومة الشيوعية الصينية بسحق مئات العجلات تحت جنازير الدبابات. وبعد فترة وجيزة، تحولّت الصين إلى تشجيع السيارات على حساب الدراجات.

وفي حين قد يغفل سائقو السيارات وهم يشغلون الطرقات ويملؤون الأجواء بالأدخنة عن ذلك، غير أنهم مدينون بأفضل طرق تنقلهم للدراجين، فقد تمّ ابتكار الإطارات المطاطية التي تنفخ بالهواء ليتم استخدامها في الدراجات الهوائية وليس السيارات، وقد أطلق على أولى سيارات فورد “كوادريسايكل- الدراجة رباعية العجلات”، كما أن رابطة راكبي الدراجات الأميركيين هي التي حثّت على مدّ شبكة من الطرقات لتشمل الولايات المتحدة برمتها.

يمضي السيد روزين، من خلال كتابه، بجولة عبر هذا التاريخ وعبر مواضيع أخرى ذات صلة، مثل قصة ملك نيبال مع ركوب الدراجة، والممارسات الإباحية على الدراجات من قبل فيتيشيي بورتلاند وأرويغن، وداني مكاسكيل الدرّاج الاستعراضي الاسكتلندي العبقري. بيد أن القرّاء الذين يأملون بالكشف عن حجة أقوى لإقناعنا بأنه ينبغي للدراجات الهوائية أن تكتسب صيتاً ألمع قد لا يحققون مبتغاهم إلى حدٍّ كبير. فإن هوى الدراجات الهوائية وإن كان يفيض من كل جملةٍ بين دفتي الكتاب، غير أن تكوينه مبعثر على نحوٍ محبط، كما أن ثمة تحفظاً وفتوراً في عرض العناصر المشوقة. فعلى وجه الخصوص، كان يمكن للسيد روزين أن يذكر المزيد عن مخترعي الدراجات ومروّجيها وعن تأثير اختراعهم على العالم على حساب التقليل نوعاً ما من الحديث عن الدراجات والجنس.

في غضون ذلك، يتطرّق الكتاب إلى عدوانية معارضي الدراجات الهوائية تجاه هذه البدعة، فالراحل بي.جيه اوروك، وصف مجرد وجودها بأنه: “جريمةٌ ضد العقل والحكمة”، غير أنه لا يسبر غور هذه العدوانية أو يسعى إلى تفسيرها. ومع ذلك، لا شك أن أي شخص يهوى ركوب الدراجة الهوائية والتنقل على متنها متحدياً الأعداد المتضخمة والمتكاثرة من المركبات النارية على الطرقات سيجد متعةً كبيرةً إذا ما خاض غمار الرحلة التي يدعوه إليها الكتاب.
.

*شاعر ومترجم- سوريا
.

لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى