تقسيم العالم في الحمّام .. غسان أديب المعلم ..

تجاوزت الحرب الروسيّة الأوكرانيّة أيّامها الأربعون!!
أربعون يوماً كانت كافية لحفل تأبين التوقّعات الوليدة مع بداية الحرب ومجرياتها وتفاصيلها ودهاليزها!
التوقّعات “العربيّة الغريبة” التي سارت وانساقت لها وفق بروبغندا إعلاميّة مُلقّنة حكوميّاً على نحو غوبلز والصحّاف!
فكلا الطرفين سواء كان الموالي لروسيا في حربها، أو المُنحاز للمعسكر المضاد في دفاعه، أصابت الحرب في توقّعاته مقتلاً!
فلا الجيش الروسي سيطر على أوكرانيا بأربعة أيام، ولا استطاع الأوكران وقف دمار وطنهم ووقف سيل الدماء، وصدّ ما اعتبروه عدواناً، أو تقديم المفاجآت الموعودة السريعة عبر بعض التغريدات!!، ولا العالم تقسّم كما يريد أنصار هذا المعسكر أو ذاك، لأنّه “مُقسّم” بالفعل وفق ما يريد الأقوياء بالتراضي.
وكان الأجدى والأنجع هو الاعتبار من الحرب السوريّة وأزمتها التي مازالت ماثلة ومُستمرّة .. والتي إنساق بين رحاها مايُسمّى بالموالين منذ الأسابيع الأولى بنظرية فشل المؤامرة ونهاية الحرب.
وعلى المقلب الآخر وما يُسمّى جزافاً بالمعارضة، والتي جاهرت بأنّ فصائلها باتت قاب قوسين أو أدنى من الوصول للقصر الجمهوري!!، ومع ذلك.. أصبح القوس ذاته في حيرة من أمره بموعد النهاية بعد تجاوز الأزمة العشرة سنوات وأكثر وأصبحت عالميّة!
الغريب في التوقّعات وبعيداً عن الاعتبار هو “الشعبويّة” في طرح تفاصيل ومجريات الحرب، بل وتجاوز ذلك الأمر بالوصول للنتيجة النهائية لما بعد الحرب.
فتسمع من أنصار هذا المعسكر بأن بوتين أفشل الخطّة الأمريكيّة، والتي أصبح أصحابها في تخبّط من هول الصدمة، وأصبحوا كمن أصابهم المسّ في عقولهم!، وبالتالي .. فَقَد الغرب سيطرته ومحوره وقطبيّته.
بينما تسمع من أنصار المعسكر الثاني بأنّ بوتين وقع في الفخّ والمصيدة التي وضعها له الغرب!!، وروسيا على شفى حفرة من الهاوية.
وتناسى كلّ هؤلاء بأن وراء الخطط الأمريكيّة ما يُقارب ألف وثمانمائة مركز أبحاث استراتيجيّ، يرسم الخطط وينتج المشاريع الاستراتيجية، وله الدور المحوريّ في صياغة السياسة الخارجيّة، عدا عما نتناقله دائماً بالمجهول القائد الذي يُسمّى بالدولة العميقة المكوّنة من أصحاب شركات النفط والسلاح والتكنولوجيا.
و كذلك الأمر بالنسبة للرئيس بوتين المُحاط بأكثر من مئة وثلاثين مركز أبحاث استراتيجيّ، وآلاف المُحلّلين والكُتّاب والمُنظّرين!!.
وما بين المُعسكرين المُفترضين أي معسكر الكلاشينكوف الشرقيّ مقابل معسكر الإم سكستين الغربيّ، ترزح بينهما الدول اللاحقة التابعة لتتلقّى الضربة الأخيرة في عقر دارها، بعد فوز أمريكا، وتقاسم الروس مع الآخرين الفُتات!
بينما يُلملم العرب بعضهم البعض في المطبخ لجلي الصحون كما عبّر عن ذلك الماغوط الراحل!!
مخطئ من يظنّ بأنّ الحرب ستسير بالأمنيات، أو وفق معادلة انتصار الخير على الشرّ أو العكس، أو أنها ستتوقّف مع وقف إطلاق النار، فما جرى حتى اللحظة يُفضي إلى حربٍ عسكريّة مفتوحة الاحتمالات للتصعيد والتوسّع أكثر.
وحتّى لو نجحت الدبلوماسيّة بوقف النار فذلك لن يُوقف الحرب الاقتصاديّة الطويلة جدّاً، والتي ستكون بمثابة الكارثة والطامّة الكبرى في ارتداداتها على الدول اللاحقة والتي لا تملك سوى الترقّب والانتظار بدلاً من العمل على تحصين داخلها وتمتين مناعتها وإثقال وزنها..
وبالتالي .. وفي خضمّ هذه الحرب سواء وضعت أوزارها أم لم تضع، وبعيداً عن المشاعر والأماني في الاصطفاف ضد محور الشرّ في العالم أو المحور المضاد المُصطنع، وفي ضوء السُعار الإعلامي العربيّ التي ما انفكّت حكوماته عن الثرثرة دون عمل أو خطّة استراتيجيّة لمواجهة آثار الحروب العسكريّة والاقتصاديّة وغيرها .. أرى أن الارتداد سيكون مماثلاً لما سبقه من أحداث، وأن العرب بسلطاتهم وأبواقها، وصولاُ لشعوبهم المُرغمة سيعودون لذات المهنة في جلي الصحون، هذا إن لم يكن التشطيف النهائي في الحمّامات!
وينطبق عليهم حينها التعبير القرآني الكريم: “تلك إذن قسمةٌ ضيزى” ..
*كاتب من سوريا
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..