الجزائر تستحدث 4 مناطق للتبادل الحر فكيف تستفيد منها؟
قررت الجزائر استحداث 4 مناطق للتبادل الحر دفعة واحدة بمحافظات حدودية مع موريتانيا ومالي وتونس، ويعتبر الخيار استراتيجياً لمواجهة “الأزمة” مع الاتحاد الأوربي بخصوص اتفاق الشراكة “المرفوض”.
وصادق مجلس الوزراء الاستثنائي في الجزائر الذي انعقد مؤخراً تحت إشراف الرئيس عبد المجيد تبون، على قرار إنشاء 4 مناطق للتبادل الحر دفعة واحدة مع دول جوار هي موريتانيا بمحافظتي تيندوف وتيمياوين، و مالي وتونس، وأبرز بيان رئاسي أن الخطوة تهدف إلى تحقيق مرونة اقتصادية مع الترخيص للمصدرين في إطار التبادل الحر من أجل تصدير المواد غير الاستهلاكية المنتجة محلياً، بناء على قائمة تحددها وزارة التجارة، وكذلك تصدير الفائض من الإنتاج الصناعي المحلي مع التصريح الجمركي.
ويأتي القرار في الوقت الذي دخلت فيه منطقة التبادل الحر الأفريقية حيز التنفيذ مطلع 2021، والتي انخرطت فيها الجزائر بعد المصادقة عليها في أغسطس (آب) 2020، حيث تم تسجيل نوعاً من الحركة في مجال التصدير لعدد من البلدان الأفريقية في 2021 و2022، إلا أن حجم المبادلات التجارية مع الدول الأفريقية لا يزال بعيداً عن المأمول، بعد أن فشلت سنة 2020 في تجاوز مستوى 3.3 بالمئة استيراداً و8.5 بالمئة تصديراً.
وتبعث الأرقام المتعلقة بمنطقة التبادل الحر الأفريقية بعض المخاوف من أن يلقى استحداث 4 مناطق للتبادل الحر مع موريتانيا ومالي وتونس، نفس المصير، خاصة أن الإحصاءات الرسمية قبل جائحة كورونا، تشير إلى أن حجم المبادلات التجارية بين الجزائر وتونس بلغ 1.7 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار صادرات جزائرية نحو تونس، و400 مليون دولار صادرات تونسية للجزائر، وفق أرقام السفارة التونسية بالجزائر، وقارب 87.3 مليون دولار مع موريتانيا في 2021، حسب ما كشف عنه الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن.
أبعاد الخطوة
وفي السياق، يعتبر العضو السابق في لجنة المالية والميزانية بالبرلمان، والأستاذ الباحث بالمدرسة العليا للتجارة، عبد القادر بريش، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن “هذه المناطق الحرة التي تأتي تطبيقاً لقانون المناطق الحرة الذي صادقنا عليه في البرلمان العام الماضي”، لها عدة أبعاد، أولها البعد التجاري من خلال السعي لزيادة حجم التبادل التجاري وتشجيع الحركة التجارية عبر هذه المناطق التي تمثل نقاط حدودية وما ينعكس إيجابياً على تنشيط التجارة وإنشاء القواعد اللوجستية من تخزين ونقل وخدمات مرافقة وخلق مناصب الشغل، مضيفاً بخصوص البعد الثاني التنموي الاقتصادي، فهو يستهدف خلق حركة اقتصادية وتنموية وتثبيت السكان وتحسين معيشتهم ومستوى المرافق، أما الجانب الثالث فيتعلق بالبعد الأمني حيث تصبح الحدود مراقبة بشكل كبير مع تضييق الخناق على المهربين وشبكات الجريمة.
ويتابع بريش، أن نجاح هذه المناطق يتوقف على الطرف الجزائري، ومدى التحضير الجيد خاصة من الجانب اللوجستي، باعتبار أن هذه المناطق تكون جاذبة للنشاط التجاري بسبب المزايا التي تمنحها حصرياً للمتعاملين، والتي تعمل على تنظيم وتأطير أكثر لنشاط التصدير مع دول الجوار، مشدداً أن فكرة المناطق الحرة في الجزائر قديمة تم إحياؤها بعد تبني السلطات استراتيجية التنويع الاقتصادي، والتصدير خارج المحروقات، والتوجه نحو الأسواق الأفريقية وخاصة دول الجوار الساحل الأفريقي، وقال إن لجوء الجزائر إلى المناطق الحرة جاء بعد نجاعة التجربة في عديد الدول، مشيراً إلى أن النشاط في هذه المناطق الحرة يتمتع بجملة من المزايا الجمركية والضريبية.
إلى ذلك، ذكر المدير الفرعي لمنطقة التجارة الحرة العربية والاتحاد الأفريقي بوزارة التجارة وترقية الصادرات، عبد العزيز بوشة، أنه بلغ متوسط المبادلات التجارية بين الجزائر والدول العربية، منذ انضمامها لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى عام 2009 إلى 2021، حوالى 4.7 مليار دولار سنوياً، وأضاف بخصوص الميزان التجاري للجزائر مع دول المنطقة، فقد تأرجح بين الفائض والعجز، رغم تسجيل صادرات الجزائر نحو الدول العربية نمواً إيجابياً منذ انضمامها إلى هذا الفضاء التجاري، حيث بلغ متوسط حجم هذه الصادرات خلال الفترة 2009-2021 أكثر من 3.3 مليار دولار سنوياً، وهو ما يمثل 6 بالمئة من إجمالي الصادرات التجارية الجزائرية نحو العالم خلال نفس الفترة، بينما حققت الواردات في المتوسط 2.4 مليار دولار سنوياً خلال الفترة المعنية.
القضاء على التهريب وتسويق المنتجات
أستاذ الاقتصاد عمر هارون، يرى أن الجزائر تملك منشآت قاعدية تعتبر هي الأقدر على خلق تكامل اقتصادي من خلال ربط العمق الأفريقي بالبحر الأبيض المتوسط عبر موانئها الجاهزة، وأيضاً طرقها التي تربط المتوسط بالحدود الجزائرية، وهي المساعي التي تستهدف ديناميكية اقتصادية ترفع من نسب التبادل البينية بين الدول الأفريقية، والجزائر بدورها تبحث عن تطوير هذا المؤشر الذي لم يتجاوز 3.5 مليار دولار، مضيفاً أن الرهان هو في توجيه السلع والخدمات لـ 1.2 مليار مواطن أفريقي، وخلق تكتل تجاري جديد يمكن أن يصل حجمه إلى 3.4 ترليون دولار، رغم أن التجارة البينية حالياً بين الدول الأفريقية لا تتعدى 18 بالمئة بين الدول 54 المشكلة للاتحاد الأفريقي.
ويتابع هارون، أن الجزائر من خلال خلق مناطق للتبادل الحر مع مالي وموريتانيا وتونس تهدف إلى القضاء على ظاهرة التهريب غير الشرعي الذي أثقل كاهل البلاد، وقال إن إنشاء هذه المناطق يعود بالنفع على الجزائر التي ستتمكن مؤسساتها من تسويق منتجاتها بطرق صحيحة تساهم في تطوير اقتصادها المحلي وترفع من جاذبية سوقها كمركز لجلب الاستثمارات الأجنبية.
قرار متأخر
من جانبه، يعتقد الإعلامي المهتم بالشؤون الاقتصادية، وليد محمد مدكور، أن استحداث مناطق التبادل التجاري الحر مع كل من تونس وموريتانيا ومالي، خطوة جاءت تكملة لمسعى الحكومة في الرفع من الصادرات ببلوغ رقم 7 مليارات دولار أميركي الذي تم تحديده مع نهاية 2022، و10 مليارات دولار أميركي بنهاية عام 2023، موضحاً أنه حتى وإن جاء القرار متأخراً نوعاً ما إلا أنه سيحدث حركة مع دول الجوار، ولكن قبل ذلك على صاحب القرار في الجزائر تحديث قائمة استراتيجية للمواد المعنية بالتصدير خارج السلع الاستهلاكية، لأن هناك مجالات حققت أرقام تصدير مهمة كالأسمدة الفوسفاتية المركبة والأسمدة المعدنية الكيميائية، وعجلات السيارات، والحديد والصلب، والمواد نصف المصنعة، والهيدروجين والغازات النادرة.
ويشدد مدكور، أن موقع الجزائر يساعد لدخول الأسواق والعمق الأفريقيين لتسويق الفائض، لكن يجب الحرص على حماية السوق المحلية من الندرة، مضيفاً “هناك طموح مشروع لتنويع الصادرات وخلق منافسة على نيل حصة من الأسواق الأفريقية، فنسب النمو محفزة في العديد من دول القارة السمراء”.