التسوية الشاملة .. الرسالة وصلت مستر بوتين
د. فائز حوالة – موسكو
ساعات طوال جمعت وزيرا خارجية القطبين الروسي والامريكي في لقائهما الاخير في جنيف ، استمر الاجتماع حوالي 14 ساعة مع توقف لمدة ساعة بطلب من الطرف الامريكي الذي كان ينتظر رداً من واشنطن .
هذه تفاصيل لاتهمنا بكل تأكيد لأن المهم هو ماتم التوصل اليه ، ان ماتم التوصل اليه يحوي في طياته الكثير الكثير فمن أراد أن ينظر اليه بأنه انتصار للأمريكي وفرض شروطه فهو محق ، ومن أراد أن يجد فيه انتصاراً فهو الأحق .
هذا الاجتماع سبقته رسائل قوية للغاية سطرت أهمها أقدام بواسلنا وكُتبت بدماء شهدائنا ، تلقاها الطرف الامريكي بامتعاض وحسرة وخيبة أمل جرَّته الى طاولة المفاوضات ليحاول الوزير كيري ان يخرج الديك الهندي كما جرت العادة في احتفالات الولايات المتحدة الامريكية بعيد الغفران ديكا مذبوحا أومقليا أو مشوياً لكن بحلة جديدة وشكلا جميلا .
هذه الرسائل تقسم الى قسمين ، الأول داخل الاراضي السورية والثاني على الساحة الدولية وفيما يلي أسرد بعضاً منها :
على الاراضي السورية :
- اغتيال قادة من الصف الاول للعصابات الارهابية العاملة في سورية والتي سرعان ماتملصت منها امريكا .
- احكام الطوق تماما في محاصرة الارهابيين في الجزء الشرقي من مدينة حلب وفتح طريق الراموسة .
- مصالحات داريا والمعضمية .
- تراجع مايسمى قوات سورية الديموقراطية ” الأكراد ” الى شرق الفرات بالرغم من العدد الكبير من القتلى لديهم والذي فاق ال 450 قتيلا .
- الاعداد الكبيرة للغاية من القتلى الارهابيين في معركة مايسمى فك الطوق عن حلب والتي تجاوزت ال 1500 قتيل :
- اعادة الزخم لمعارك ريف اللاذقية والوصول الى الحدود الادارية لمدينة جسر الشغور في الريف الادلبي .
- افشال كل المحاولات لتحقيق تقدم للارهابيين في دير الزور .
- قلب معادلات الجنوب السوري والتي كانت ستعتبر الورقة الرابحة في ايدي الامريكان .
- وغيرها وغيرها الكثير الكثير الذي يبقى طي الكتمان لاسباب يعرفها الطرف الامريكي بصدق .
على الساحة الدولية :
- بالرغم من النجاح الجزئي للطرف الامريكي في زعزعة الاوضاع في البرازيل الا ان الأمر لم ينته بعد بتحقيق نصر أكيد لها , والتي كان ومايزال الهدف منه ضرب منظومة البريكس او إضعافها .
- محاولات يائسة لإعادة فتح جبهة اوكرانيا لإقحام روسيا في الحرب الداخلية الأوكرانية .
- نجحت امريكا في تسييس الرياضة من خلال استبعاد الفريق الروسي من الالعاب الاولوبية في البرازيل بشكل جزئي .
- فشلت امريكا في إعادة استغلال مجلس الامن الدولي لاحراج روسيا حول استخراج قرار من مجلس الامن الدولي لادانة سورية وتحميلها مسألة استخدام السلاح الكيماوي وغاز الكلور في المناطق التي يسيطر عليها الارهابيون في سورية .
- رسائل مهمة تلقفتها سريعا الولايات المتحدة الامريكية من الاستخدام المؤقت لقاعدة همدان الايرانية من قبل الطيران الجوي الفضائي الروسي .
- إعادة العلاقات كانت بشكل جزئي بعد بين روسيا وتركيا وإعادة احياء خط السيل التركي للغاز الروسي مع خط إضافي عبر تركيا يصل الى اوربا .
- قمة الصين التي يمكن اعتبارها قمة بوتين التي اثبتت عدم عزلة روسيا عن الساحة الدولية وتأثيرها على مجريات الاحداث ودورها الرائد في جميع القضايا رغم المحاولات الامريكية والدعايات الامريكية والضغوط الامريكية على مختلف دول العالم لمنع اظهار حقيقة الدور الذي تلعبه روسيا وتحديدا الرئيس بوتين في ذلك واهانة الرئيس اوباما في الصين عند استقباله .
- المناورات العسكرية الروسية الناصعة مقارنة بالمناورات التي تقودها الولايات المتحدة مع مايسمى بدول الناتو الباهتة فروسيا عرضت قدرات .
- أسلحة حديثة للغاية بل ومرعبة في الوقت الذي كانت المناورات الناتاوية تعتمد على اساليب تقليدية واثبتت عدم استعداد ال اف 35 لتكون سلاح ذو فعالية من الناحية العملية , بالرغم من ان الناتو اجرى خلال العام 2016 47 مناورة عسكرية في حين روسيا اجرت فقط 15 مناورة عسكرية .
- فقدان ثقة حلفاء امريكا بها في الوقت الذي تزداد فيه ثقة هؤلاء الحلفاء التقليديون لامريكا بروسيا والرئيس بوتين .
- خوف الولايات المتحدة من ابرام اتفاق سلام بين روسيا واليابان وفقدانها التأثير على اليابان وبالتالي ورقة مهمة بيده للعب دور الوسيط القذر .
- التجارب النووية لكوريا الشمالية والتي كانت يوم امس الاول الخامسة والاقوى منذ سنة والتي اعتبرها تهديد مبطن من قبل الحلف الصيني الروسي للولايات المتحدة الامريكية وخاصة اذا ما أخذنا بعين الاعتبار عرقلة الصين وروسيا محاولة استصدار قرار من مجلس الامن الدولي ضد كوريا الشمالية , واتخاذ البيان الخير ليلة امس ماهو الا نوع من التجاوب الروسي الصيني مع تمنيات الولايات المحدة الامريكية لوقف تهديد كوريا الشمالية بتوجيه ضربة نووية لامريكا .
- فشل الولايات المتحدة الامريكية في اشعال حرب قوقاز جديدة انطلاقا من اقليم ناغورني كاراباخ والسرعة المذهلة التي استطاعت فيها روسيا احتواء هذا الامر واطفاء واخماد هذا الحريق .
- الاجتماع الثلاثي الذي جرى في اذربيجان وضم كل من روسيا وايران واذربيجان الذي ارسل رسالة واضحة للولايات المتحدة الامريكية مفاده بان بحر القزوين خارج عن مجال اللعب الامريكي وتم استثناء تركيا منه بالرغم من اهميتها لعدم الثقة الكاملة بحكومة العدالة والتنمية التركية برئاسة اردوغان من ناحية ومن ناحية اخرى لتسريع عملية خروج اردوغان من تحت العباءة الامريكية ومحاولته اللحاق بالمتغيرات السياسية العالمية الجديدة لبناء تحلفات جديدة او على اقل تقدير التأسيس لها بعيدا عن الضغط الامريكي او التمثيل الامريكي في مثل تلك التحالفات بغطاء تركي .
- انعطافات قوية في مواقف بعض الدول العربية والتي كانت تعتبر الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الامريكية والمصدر المالي لتسويق طموحات واهداف الولايات المتحدة ليس في المنطقة العربية وانما في العالم بالرغم من ان تلك الدول وفي مقدمنها المملكة السعودية والكويت وقطر والبحرين لاتستطيع الخروج بهذا الشكل السلس او السريع من تحت العباءة الامريكية ولكن ماتم وخاصة توقيع اتفاق الاستثمارات المبادلة وصفقات السلاح مع روسيا لايمكن اعتباره تحولا جذريا وانما انعطافة تعتبر الخطوة الاولى في اضعاف للهيمنة المطلقة الامريكية على تلك الدول .
- مواقف اوربية متغيرة بشكل جذري من روسيا وخاصة فيما يتعلق برفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الاوربي على روسيا بضغط امريكي مباشر والتي انعكست نتائجه السلبية على دول الاتحاد الاوربي لارضاء الولايات المتحدة اكثر منه على روسيا الاتحادية وغيرها الكثير الكثيرمن الامور التي زعزعت عالم القطب الواحد وفرضت معادلات وتحالفات جديدة في عالم متعدد الاقطاب جديد بشكله وبمضمونه .
خلاصة الأمر ان ماتم الاتفاق عليه بين الوزيرين كيري ولافروف والذي نقل الى مجلس الامن الدولي لاقراره ” وهي الخطوة الحقيقية للدعوات الروسية المتكررة الهادفة الى تصويب عمل مجلس الامن الدولي للقيام بمهامه الاساسية وهي الحفاظ على السلم والامن الدوليين ” ، من الواضح أن هذا الاتفاق يحمل الكثير من ملفات التسوية الدولية وخاصة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ومن ضمنها الملف السوري وترك الفرصة للرئيس الامريكي المنتهية ولايته للحفاظ مرة اخرى على ماتبقى من ماء وجه امريكا ومنحه شرف التقدم بمشروع قرار لمجلس الامن الدولي لحل القضية الفلسطينية على مبدأ قيام الدولتين وبالتالي يكون الرئيس الامريكي قد استطاع تبرير منحه جائزة نوبل للسلام التي استلمها بداية عهدة الى جانب الحفاظ على ماتبقى من ماء الوجه الامريكية .
يبقى علينا ان نقول بان لسان حال امريكا اليوم وإدارتها يقول : ” الرسالة وصلت مستر بوتين “