رأي

“الارتدادات الواجبة” .. غسان أديب المعلم ..

في خضمّ أحداث الزلزال الكارثيّ الذي أصاب وطننا، وبعيداً عن العلوم الجغرافيّة وتوقّعات الارتدادات في طبقات الأرض التي تحدث غالباً بعد الهزّة الكبيرة، طلب منّي أحد الأصدقاء الكرام الكتابة عن الارتدادات العامّة للحدث على الشأن السياسيّ العام، وكسر العزلة “المزعومة” والاستفادة من الكارثة للعديد من الأطراف، وهو ما شاهدته كثيراً – أي السؤال – على مواقع التواصل الإجتماعي، وكذلك الطروحات في الأجوبة كلّ بحسب رأيه وهو حقّ، ولأنني أكتب ضمن مادة “الرأي” وليس مادّة “التحليل السياسيّ” التي يمتهنها البعض بتركيبة مشبوهة لحساب فريقٍ على آخر، أو لفرض وتعويم أفكار لصالح سلطة ما، أو من على نقيضها، فهذا الرأي يحتمل الصواب وكذلك الخطأ عند القارئ الكريم إن لم يستند للحجّة والدليل والبرهان في معرض الرأي، وعليه أتمنى لي ولغيري الصواب في الرأي ومايطرحه طالما أن الهدف والغاية ومنتهى الأمل هو وطننا سوريانا..

بدايةً، وعند التكلّم عن “العزلة” بمعناها اللغويّ ومفهومها السياسيّ، فلن نطيل الحديث في هذا الشأن، لأنّه من البديهيات أن المفردة انصبّت على الشعب السوريّ لوحده فقط بعيداً عن معنى الكلمة بمفهوم السياسة والذي يلامس مفهوم “الدولة” في السياق الأكبر..

فالشعب السوريّ هو من يتحمّل الحصار وارتداداته وليس السلطات، وهو الوحيد الذي يعاني الأمرّين، بل عشرات المرارات، وربما آلاف، جرّاء الحصار الاقتصادي بالدرجة الأولى، وعزلته المفروضة كواقعٍ يماهي الجانب السياسيّ كوزنٍ وثقل للمواطن الذي تُقفل بوجهه أبواب غالبية دول العالم لو رغب بالسفر على سبيل المثال!.

وفي الوقت نفسه، لا وزن ضمن غياب “الحياة الحزبيّة” ضمن البلاد، لأنها معدومة رغم المكياجات والمساحيق التجميليّة الكثيرة التي تفرضها السلطات عبر الأحزاب المُصطنعة، وحتى من خارج سياق الحياة الحزبيّة، فالأمر سيان عند غياب المؤسسات التي من المُفترض أن تتكلّم باسمه وتطرح مشاكله وحلولها، فالسلطة التشريعيّة المُسمّاة بمجلس الشعب لا يستطيع فردٌ منها طرح عدم الثقة والمساءلة لهذه الحكومة على سبيل المثال رغم الاعتراض الشعبي الصارخ والواضح والفاضح على تصرّفات وتصاريح مسؤوليها ونتائج أعمالهم التي زادت في طين الحصار بلّة ومستنقع وبحر ومحيطات دون مبالغة أيضاً!.

وبذلك تصبح كلمة أو معنى “العزلة” مجرّدة من فحواها الحقيقيّ على “المعزول”  طالما أن شروط العزلة غير متوفّر بإنعدام المؤسسات، ولأنها تلامس طرفاً واحداً من مرتكزات معنى “الدولة” وهو الشعب، الحجر الأساس الذي يضاف إليه عامل الأرض الجغرافيّة، بينما لا تلامس السلطات التي تدير أمور البلاد!.

أمّا لو تحدّثنا “جُزافاً” على المستوى السياسيّ العام فهي ليست عزلة طالما أنّ الدولة بمفهومها السياسيّ منضوية ضمن محور أو معسكر أو حلف تتبادل فيه الأعضاء البعثات الدبلوماسيّة وكذلك العلاقات التجاريّة وتتماهى في الموقف السياسيّ عموماً ضد المعسكر أو الحلف الآخر المُضاد، والمحور بدوره تتعرّض دُوَله الوازنة للعقوبات ومحاولات العزلة من الولايات المتحدة ومعها أوروبا، فالوازن الأكبر على سبيل المثال “روسيا” تُعاني من العقوبات المفروضة ومحاولات العزل، كذلك الأمر بالنسبة لإيران، كذلك باقي الدول التي اتخذت ذات المنحى في المواقف السياسية والاصطفافات، وهذا الأمر لا يعني بشكلٍ أو بآخر أنّ المطلوب هو الاصطفاف ضمن المعسكر الآخر أو القبول بشروطه، أو أن يتخلّى الشعب عن قضاياه رغم كلّ ما يُحاك ضدّه من تهميش وأن يصبح بلا وزنٍ ورأي، وهو كذلك على الورق، لكنّ هيهات لكلّ العالم مٌجتمعاً أن يُزيل هذا الأمر من قلبه وعقله، وهو ما يُغضب جميع الأفرقاء الأعداء بأنّهم لم ينجحوا في هذا الشأن أبدا، وأنّ الشعب بأكمله كاظمٌ للغيظ ومحتسب لمنع الفوضى والحفاظ على ما تبقّى إلى أن يحدث بعد ذلك أمر..

لكن هناك مصطلح اسمه “البراغماتيّة”!! هل تعرفه السلطات!؟.

فالنقطة الأهمّ المتجذّرة في وعي هذا الشعب العظيم، بأنّه يدرك تماماً بأنّه مُحاطٌ بأشدّ وألدّ الأعداء، وأكثر الكيانات اللاإنسانيّة ولا ضمير على مستوى التاريخ، وأنّ لا خلاص أو مناص دون أن يكون الشعب كلّ الشعب في بوتقةٍ واحدة وموقفٍ واحد بالمفهوم الحقيقيّ للدولة بأن تكون “دولة مؤسسات”  لأنّ المصير واحد..

فاليوم، نشهد الكثير من الحالات الأخلاقية التي تحدث أثراً في النفس البشريّة على مستوى موقفٍ في الرياضة مثلاً، كأن يرفض المهاجم تسجيل الهدف لو رأى أحد لاعبي الفريق الخصم مُصاباً على الأرض، وهذا الأمر أخلاق!.

أو أن يقف الملاكم في زاوية حلبة الملاكمة لمدة ثواني معدودات لو أن الخصم وقع على الأرض، وهذا الأمر قانون نابع من الناحية الأخلاقيّة!.

لكن مالحال مع كيانٍ مارق مثل إسرائيل التي لا تعرف الأخلاق ولا القانون، وتبادر أو تستكمل قصفها للمواقع والمطارات والمرافق المدنية أو حتى العسكريّة لبلدٍ أعلن ذاته منكوباً بفعل الزلزال؟.

الأمر ذاته ينطبق على الفرع الداخليّ للكيان اللقيط، “داعش”،  التي أراقت دماء الأبرياء الباحثين عن ثمرة “الكمأة” لتحسين أحوالهم الاقتصاديّة وسدّاً للعَوز والحاجة!.

الأمر لا يقتصر على سوريا لأنني سوريّ، الأمر رقم قياسيّ في دناءة أخلاق الأعداء المُحيطين بهذا البلد الذي من المُفترض أن يكون اسمه “البلد الأمين” الذي تكالب عليه الأعداء خارجيّاً وداخليّاً لإفراغ الشعب حصراً من ميراثه وفكره وانتماءه وينسى أو يتناسى أنه الشعب السوراقيّ العظيم الذي كُسر أحد جناحيه “العراق”، وبقي الجناح السوريّ يسير “بمفهومهم” في  السيناريو العراقيّ نفسه مُتّجهاً نحو المصير ذاته المرسوم وتنتهي الحكاية!.

نعود للبداية، والسؤال الأهمّ: ما الواجب والمفروض بعد كلّ ماحدث قبل الأزمة وخلالها ومابقينا فيها؟.

أستذكر العلّة القديمة المتجددة بما طرحه الماغوط العظيم يوماً ما: ما الفائدة أن يكون النظام قويّاً والمواطن من زجاج؟.

العزلة كانت ومازالت للأسف على الشعب، والدولة بمفهومها الصحيح لا تُعزل لو كانت المواطنة دين الدولة وديدنها في مسارها وعملها، لا وزن لأيّ تحرّكات أو لقاءات أو حتى انفرجات طالما لم تصل البلاد إلى ذلك المفهوم الحقّ، وأنّ الدول تسير بمكوّناتها الثلاث على نسقٍ واحد وبرتمٍ وقلبٍ واحد.

وعليه، على السلطات مجتمعة أن ترتدّ إلى هذا المفهوم، وتفهم أن السير على هذا النحو من عزلة “الشعب” سيكون بمثابة المسمار الأخير في النعش، وعليها وهي “المُتحكّمة” بالقرار منفردةً أن تعي أن الفالق البشريّ المُتخم بالجوع والحرمان والضنك أخطر بكثير من الفالق الجغرافيّ، وأنّ لا سبيل للأمان إلّا بتغييرٍ جذريّ شامل بالعقليّة وأن تكون البوصلة هي المواطنة والمواطن قبل كلّ شيء، عند هذه النقطة بالذات تزول كلمة “العزلة” بمعناها الحقيقيّ الكامل، وكذلك المعنى الناقص لعدم اكتمال المكوّنات..

الردّة ليست في كلّ الأحيان كفر وتستوجب القتل، الردّة للوطن تكون بمثابة الحياة.

وسلامتك يا وطن ..

 

إقرأ أيضاً .. “مجرّد فوارق” ..

إقرأ أيضاً .. “هِز” الوطن لنشمّه ..

 

*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

صفحتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى