“في نقض أفول الأدب الساخر”! … بقلم: أحمد علي هلال

كثيرة هي الأسئلة التي تختص غياب الأدب الساخر أو تغييبه بآن معاً، وليس الأدباء الساخرين، ومما يلاحظه مراقبون ليصبح كمسكوكة القارئ أن الواقع أصبح أكثر سخرية من أي أدب يحاول محايثته، أو محاكاته، فما يفيض به –الواقع- بمحكياته سوف يتجاوز ما هو أكثر من سخرية منتظرة أو محتملة.. بحيث يصبح سؤال المفارقة هنا من يجرؤ على الضحك؟
هل يضحكنا الواقع أكثر مما نقرأه عن الضحك في السياقات والمتون الإبداعية؟ وهل يلهم الواقع الأدب أكثر مما يلهم الأدب الواقع؟
هنا نستطيع تكثيف جملة من المفارقات التي تحملنا على القول باستحقاق السخرية بما هي أكثر من معادل للواقع، بعيداً عن صواب أو خطأ ما يعتقده البعض أو الكثيرون على حد سواء، من أفول محتمل للحساسيات، ومنها على الأقل حساسية الاستجابة للضحك اليومي العامر بالتهكم والسخرية السوداء، وعلى سبيل الضحك ثمة من يسعى لإضحاك الناس ولا تسل هنا عما تختزنه أعماقه.
وبصرف النظر عن أن بعض الضحك إعادة إنتاج لنكتة قديمة وعلى طريقتها تتوقف الاستجابة وأفعال التلقي المفارق، ولأفعال الضحك سياق مضاد بأبعاد نقدية تجعل منه أداة لا غاية، وقد يتبادر للذهن المتأمل أن الضحك قد استنفد أغراضه، وما سوى ذلك الأثر الرجعي الذي يهيئ طريقة مختلفة لتداول النكات، يصدق ذلك على أنواع درامية بعينها امتلأت بمفارقات الإنسان المعاصر وإشكالياته الوجودية، دون أن تذهب بالضرورة إلى سخرية سوداء تعيد بناء المواقف والتصورات بنكهات ساخرة تخلق حوافزها للإدهاش والضحك حدَّ البكاء.
فإن رأيت ضاحكاً فستنسبه بلا وعيك إلى الجنون، وقد تشاركه الضحك لتدفع عنك لا عنه تلك الصفة، فضلاً عن أن حقول الأدب وأجناسه الإبداعية المختلفة وبالأخص من جهرت بالضحك كثيمة إبداعية، أو كدالّ معرفي، وحملت عنوانات مفارقة من مثل (حجر الضحك) لـ هدى بركات، في مقابل (الضحك والنسيان) لـ ميلان كونديرا وسواها الكثير، سعت لاقتران الضحك بأفعال الإنسان وتناقضاته وقلقه واغترابه!.
فالضحك مشروع في كل الأزمنة وأن تقنّع بالرواية أو القصيدة أو المسرح، أو الكاريكاتير سيما وأنه من أفعال البناء والهدم بآن معاً، ونتساءل في هذا السياق حينما نشهد عملاً ما درامياً ينطوي على سخرية أو مفارقة بعينها بنيّة الإضحاك، هل تغدو إعادته قيمة مضافة لتجعل من الضحك أمراً جدياً ولو خرج عن النص قليلاً.
.
*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا