استراتيجية حل الأزمة “إلى الجحيم سرّ” .. غسان أديب المعلم ..

استراتيجية حل الأزمة “إلى الجحيم سرّ” ..
سارعت وزارة الخارجيّة السورية إلى إدانة زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النوّاب الأمريكيّ إلى تايوان حتى ما قبل هبوط الطائرة، وأشارت إلى أنّ هذه الزيارة الاستفزازيّة ستُحدث أزمةً سياسيّة تؤدّي لزعزعة الاستقرار العالميّ.
وفيما سبق أيضاً، سارعت الوزارة ذاتها لتكون أول المُعترفين رسميّاً بالجمهوريّات التي اقتطعتها أو استعادتها روسيا من أوكرانيا، ولهذه الوزارة أيضاً سابقة في سباقها للاعتراف بدولة أبخازيا لتكون من الدول الخمس في العالم التي تعترف بها كجمهوريّة مستقلّة.
والموضوع هنا ليس انتقاصاً أو تصنيفاً لصحّة الإدانة والشجب والاعتراف من عدمها، فمن البديهيّ أنّ أمريكا تُحدث الأزمات وتصطنعها، ومن البديهيّ أكثر أن نكون في خانة الأعداء لسياساتها التي جلبت الوبال على العالم أجمع بما فيه وطننا، وكذلك الأمر سرقتها العلنيّة لثروات بلادنا، واقتطاع أجزاء من أراضينا، إضافة لعديد الأرواح التي زهقت والدماء التي أُريقت بسبب أفعالها وغيرها، لكنّ الموضوع له شأنٌ آخر بمقاربة الأزمات.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الزيارة الدبلوماسيّة الأمريكيّة لتايوان لها ارتداداتها في تشكيل أزمة سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة، كما هي ارتدادات الحرب الروسيّة الأوكرانيّة التي أصابت العالم أجمع، سواء من الناحية العسكريّة ضمن النطاق الحدوديّ، واقتصاديّاً حتى آخر أصقاع المعمورة.
كلّ ذلك يندرج تحت تعابير مختلفة في بداياتها، كالكارثة على سبيل المثال لا الحصر، لأن مدلولها ينحصر في الحوادث ذات الدمار الشامل والخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات، وكذلك تفعل مصطلحات الصدمة، الحادث، المشكلة، الصراع، والخلاف، وإلى ماغيره من المصطلحات حتى تتجمّع كلها مع الاستمرار لتشكيل كلمة أو مصطلح الأزمة “Crisis”K وهو المصطلح أو التعبير الذي أُطلقَ على الأحداث التي عصفت ببلادنا عام /2011/، حتّى أنّ السلطة وفي بداية الأحداث أحدثت خليّة عسكريّة تمّت تسميتها بـ “خليّة الأزمة”، رغم صراع المصطلحات حينها لتحريف العنوان من الخارج كأن يُطلق على الأحداث مسمّى “حرب أهليّة” من بعض الخارج، ومصطلح “المؤامرة” من البعض في الداخل، وكلّ هذه المصطلحات تندرج تحت العنوان الأكبر.
لكن، هل تمّ التفكير بالحلول؟.
هل استطاع أيّ طرفٍ بالاعتراف بالأخطاء؟.
هل كان المسار “الداخليّ والخارجيّ” في سبيل إنهاء الأزمة أمّ لزيادتها واستمراريّتها؟.
في بداية الأمر، لنقف مع التعاريف المُتعارف عليها في هذا الشأن، فالأزمة هي في البداية علامة على وجود المرض “Symptom” على مستوى الدولة، ووصول مشكلةٍ ما إلى مرحلة الانفجار، وتعني أيضاً التهديد الخطر المتوقّع أو غير المتوقّع لاستهداف القيم والمعتقدات والممتلكات للدول بشكلٍ عام، والتي ستحدّ لاحقاً من عملية اتخاذ القرار ومن ثمّ الانفجار، وغالبيّة التعاريف تنتهي على هذا النحو من المصير، أي انعدام الاستقرار ويليه الانفجار في حال استدامتها.
وفي هذا المعنى، سيكون الخطر البالغ الأثر على “مفهوم الدولة” في حال الديمومة، وعند هذه النقطة بالذات، وفي الأحوال الطبيعيّة، تستجمع قوى الدولة الفاعلة والمؤثّرة نفسها، وتضع الخطط العاجلة ذات الحلول الإسعافيّة على المدى المنظور، وكذلك الأمر جمع القوى الشعبيّة ضمن حوار لاستنباط أو تقديم أو استحداث المشاريع الوطنيّة الجامعة على المستوى البعيد، وبالموازة مع هذا الأمر، وأقصد الأحوال الطبيعيّة تتشكّل الخلايا المتنوّعة تحت قيادة موحّدة لحلّ الأزمة، تبدأ بالتنازل والاعتراف بالأخطاء، ودراسة الأسباب، وطبيعة الأزمة، ونطاقها الجغرافيّ، ومدى تأثيرها الزمني، وتبتعد عن إلصاق الفشل تذرّعاً بها والوقوف عند النتيجة.
فالبلاد ترزح تحت احتلالات متنوّعة في مختلف الأرجاء، وأغلب موارد الدولة بأيدي الغرباء، والمشاكل الإداريّة ضمن نطاق المؤسسات مستفحلة، ومن أهم أسباب الأزمة أن تتولّى قيادات التصفيق والولاء زمام الأمور، وتتحكّم برقاب العباد وتعمل على تعويم وتعميم الفساد في البلاد، إلى درجة أضحت مؤسّسات الدولة عبارة عن هياكل وخُشبٌ مسنّدة، لا تمثّل في عملها الإداريّ سوى طبقة صغيرة، مشكّلة حالة إنعدام الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة بأكملها، وهو أكبر فواجع الأزمات.
فأزمتنا عسكريّة واقتصاديّة واجتماعيّة ودينيّة وثقافيّة والكثير الكثير، أزمتنا في اللاقانون وانعدام المواطنة والحريّات، أزمتنا في تحطيم واستبعاد وتهجير الكفاءات، يكفي أن نقول بأن غالبيّة الشعب السوري، وفي هذا اليوم بالذات، لم يلتمس الكهرباء إلّا ساعة واحدة متقطّعة، وهناك من لم يعرف الماء منذ ثلاثة أسابيع وأكثر في مناطق معدّل أمطارها السنويّ يفوق الألف مليمتر، وتفيض في تلك المناطق الأنهار المتعدّدة، وأنّ سعر “صهريج المياه” تجاوز الستين ألف ليرة، وأن سعر “بيدون” المازوت تجاوز المئة ألف ليرة، وهذان الرقمان يشكّلان معدّل الأجور في سوريا.
وهذه الكارثة غيضٌ من فيض الأزمة الكبرى التي تنحر المواطن السوريّ حتى كسرة الخبز، فأين “دولة المؤسسات” من حلول الأزمة؟، فلا ضير ولا خصام في مواقفكم الدبلوماسيّة، ومسارعتكم الاعتياديّة للشجب والإدانة والإعراب عن الأسف، وتحويل أبواق السلطة لتحوير الأمور إلى أزمات العالم وحلولها وتقسيمها وفرض أمرنا عليها كذباً ونفاقاً، بينما الحقيقة، وعلى أرض الواقع يرزح الشعب بغالبيّته بأزمة تتجاوز كلّ النكسات والنكبات التي أصابت الدول.
فهل من سامعٍ لنداء الاستغاثة من هذا الشعب الذي يتصابر مكرهاً لأجل وطنه، أم سيكتبكم التاريخ بأبشع النعوات بأنّكم حللتم الأزمة بغبائكم وفق نظام “إلى الجحيم سرّ”؟..
*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب