اقتصاد

احتمالات الركود تحير صندوق النقد الدولي  

جزمت رئيسة صندوق النقد الدولي ’’كريستينا جورجيفا’’ أن العام 2023 سيكون أسوأ اقتصادياً من الأعوام السابقة مرجحة احتمال حدوث ركود اقتصادي عالمي.

وأثارت تصريحات رئيسة صندوق النقد الدولي لشبكة “سي بي أس” الأميركية موجة واسعة من الجدل والنقاش رغم أن ما صرحت به ليس جديداً ولا مفاجئاً.

وتمهد تصريحات ’’جورجيفا’’ إلى أن الصندوق ربما يراجع توقعاته المعلنة لنمو الاقتصاد العالمي هذا العام التي تضمنها تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” نصف السنوي في نسخته الأخيرة الصادرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

ويتوقع عدد كبير من الباحثين والاقتصاديين أن يعلن الصندوق تحديثاً لتوقعاته لمستقبل الاقتصاد العالمي خلال اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الحالي.

ويبدو أن رئيسة الصندوق أرادت استباق اتهامات جديدة للصندوق وغيره من المؤسسات الدولية الأخرى بالفشل في توقع الركود الاقتصادي الذي يمكن أن يعانيه العالم في منتصف هذا العام.

 وبدا ذلك الفشل واضحاً في تكرار الصندوق “تحديث” توقعاته العام الماضي أكثر من مرة مع مخالفة معدلات النمو لتوقعاته السابقة.

ولم يكن الخطأ في التوقعات مقتصراً على الصندوق والمؤسسات المالية الدولية بل كان أيضاً من جانب البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى التي فشلت توقعاتها لمعدلات التضخم مما أدى إلى تشديد نقدي متأخر لم يؤثر كثيراً في خفض نسبة التضخم حتى الآن.

تشاؤم بحذر

وحرصت رئيسة الصندوق في تصريحاتها التلفزيونية على ألا تكون حاسمة في توقعها بحتمية الركود الاقتصادي العالمي مشيرة إلى أن “الاقتصاد الأميركي ولأنه أكثر مرونة من الممكن أن يتفادى الركود.

وبحسب آخر تقرير لصندوق النقد الدولي يتوقع نمو الاقتصاد العالمي هذا العام بنسبة 2.7% وهو ما ينتظر أن يراجعه الصندوق بالخفض قبل موعد صدور تقريره التالي في الربيع وربما في نهاية هذا الشهر خلال اجتماعات دافوس لكن ستظل توقعاته لنسبة النمو إيجابية أي فوق الصفر وليست بالسلب (انكماش اقتصادي).

ويعود التشاؤم الحذر للصندوق إلى الإنذار المبكر كي يتفادى الخطأ المتكرر في التوقعات وثانياً لأن تعريف الركود الاقتصادي العالمي فضفاض جداً فإذا كان الركود الاقتصادي للدول يعرف تقنياً أنه نمو سلبي (انكماش) للناتج المحلي الإجمالي لربعين متتاليين من العام فليس هناك تعريف محدد للركود الاقتصادي العالمي وإنما يعتمد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على ركود في غالب الاقتصادات المتقدمة في وقت واحد أو بشكل متتابع ولأن الاقتصاد الأميركي يشكل نسبة 25% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي العالمي فإن دخوله في ركود يؤثر في بقية اقتصادات العالم لكن قاطرة النمو الاقتصادي العالمي منذ أكثر من عقد من الزمن هي الاقتصاد الصيني.

وقد تحدثت ’’جورجيفا’’ بحذر شديد في ما يخص الصين في مقابلتها مع “سي بي أس” فقالت: “على مدى الشهرين المقبلين سيكون الوضع صعباً بالنسبة للصين وسيكون التأثير في النمو الصيني سلبياً والتأثير في نمو المنطقة الآسيوية سلبياً وسيكون التأثير في النمو العالمي سلبياً أيضاً”.

تخفيضات متتالية

هذا التحذير الاستباقي يعتمد كثيراً فعلاً على تطورات الاقتصاد الصيني أكثر منه على الاقتصادات الرئيسة الأخرى وكذلك على تأثير إجراءات فك الارتباط مع الصين التي تقودها الولايات المتحدة بسياسات حمائية والسعي إلى تغيير منظومة سلاسل التوريد لتفادي أي صدمات نتيجة تطورات أوضاع الصين.

هذا التحذير يشكل أيضاً إنذاراً مبكراً حتى لا يتكرر ما حدث من قبل “الصندوق” العام الماضي إذ حمل تقريره في أكتوبر 2021 عنوان “استمرار التعافي الاقتصادي لكن مع ضعف قوة الدفع وزيادة الشكوك” متوقعاً نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 4.9% في عام 2022  وهو ما يقل بنقطة مئوية عن تقديرات نمو الاقتصاد العالمي في 2021 عند نسبة 5.9%.

وعلى مدى العام الماضي عدل الصندوق توقعاته بالخفض أربع مرات المرة الأولى في مطلع العام من 4.9% في تقريره السابق إلى 4.4% ثم خفض الصندوق مرة أخرى توقعاته للنمو العالمي في 2022 إلى 3.6% ثم أخيراً قرب نهاية العام خفض الصندوق توقعاته لنمو الناتج المحلي العالمي في 2022 إلى 3.2% وهو تقدير قد يخضع للمراجعة أيضاً.

ورغم أن رئيسة “صندوق النقد” لمحت إلى تفادي الاقتصاد الأميركي الركود فإن التطورات في الأشهر المقبلة قد تثبت خطأ ذلك إذ إن تقدير الركود لا يعتمد فحسب على نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي وإنما يأخذ عوامل أخرى في الاعتبار منها زيادة معدلات البطالة وتراجع الإنفاق العام والاستهلاكي وتفاقم أزمة الديون وانهيار سوق العقارات وتراجع الناتج الصناعي وانخفاض معدلات التجارة واختناق سوق الائتمان وهبوط مؤشرات الأسواق.

وذكرت ’’جورجيفا’’ بوضوح أن تقديرها يستند إلى قوة وسلامة سوق العمل في الولايات المتحدة.

مساحة مناورة

وتبقي التصريحات الأخيرة مساحة مناورة للصندوق وغيره من المؤسسات الدولية في حال جاءت الوقائع على الأرض عكس التوقعات صحيح أن معدلات البطالة في الاقتصاد الأميركي انخفضت إلى 3.6% إلا أن اقتصاديين استطلعت صحيفة “فاينانشال تايمز” آراءهم توقعوا ارتفاع معدلات البطالة في أميركا إلى 5.5% هذا العام.

 وتوقعت نسبة 85% من المشاركين في الاستطلاع أن يدخل الاقتصاد الأميركي في ركود هذا العام.

في هذا السياق كذلك قال كبير الاقتصاديين في “بنك أوف أميركا” ’’مايكل غاسبن’’ في مقابلة أيضاً مع شبكة “سي بي أس”: إن”خطر الركود في الولايات المتحدة يظل مرتفعاً”مشيراً إلى أنه “قد لا يكون عميقاً ولا طويل الأمد”.

 ويحدث الركود الاقتصادي في حال تراجع الطلب في الاقتصاد بشدة مقابل المعروض من السلع والخدمات وغالباً ما يكون ذلك نتيجة ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير وما يستتبعه من رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة في محاولة كبح جماح التضخم وهذا ما يضغط على الطلب نزولاً.

 وفي الوقت نفسه يحد من النشاط الإنتاجي ولا تزال معدلات التضخم في الاقتصاد العالمي مرتفعة وتظل البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة عازمة الاستمرار في رفع أسعار الفائدة هذا العام لوقف ارتفاع الأسعار.

 كما أن أزمة الديون الهائلة وبخاصة في الاقتصادات النامية والصاعدة والتي يفاقمها ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي تضيف إلى تلك الضغوط التي تدفع نحو الركود وإن ظلت هناك فرصة لأن تتمكن الصين من تجاوز أزماتها الحالية بسرعة وتعاود مسار النمو وتحافظ الولايات المتحدة على معدلات النمو فوق نسبة 3%.

المصدر: إندبندنت عربية

تابع المزيد من الأخبار والموضيع التي تهمك عبر صفحاتنا على الفيسبوك  –تلغرام –تويتر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى