العناوين الرئيسيةالوسط الفني

أمانة والي: جنحتُ لأدوار الشر كونها “دينامو” الدراما ومحفز الأداء العالي

ابني شغوف بالفن ونصحته بالتزام المسرح لأنه يجوهر الممثل ويصقل قدراته

|| Midline-news || – الوسط …
حوار: روعة يونس

..

وددت الابتعاد عن عنوان يخص “أدوار الشر” في هذا الحوار مع الفنانة القديرة، الكبيرة بتجربتها، الثرية بعطائها، القادرة بأدائها. لكن أمانة والي.. حاضرة في قلب المشاهد العربي ووجدانه وذاكرته، من خلال أدوارها -خاصة الشر- التي تبرع فيها أيما براعة. وعلى الرغم من تنوع وتعدد واختلاف وتباين أدوارها، تظل أقرب (شريرة) إلى القلب، وأبعد (إنسانة) عن الشر.
قدراتها الأدائية وإمكانياتها الفنية ثمرة موهبة فذة ودراسة أكاديمية، جوهرها الشغف.. لذا أحبها الجمهور العربي في كل أدوارها التلفزيونية من قوة وضعف، ويأس وأمل، وشر وخير، وبيئة شامية ومعاصرة، وكوميدية وبدوية.
أمانة والي.. تاريخ من الفن (رغم صغر سنها) لأنها استثمرت أيام  عمرها في العمل والعطاء بين الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح.
وهذا الأخير، باتت أميرته المتوجة كممثلة بارعة قدمت عبر عشرات الأعمال خشبته، وأمست سيدته كأول امرأة تدير المسرح القومي في سورية. وما باتت سيدته كمنصب، بل لما بذلت من محاولات وجهود.
أمانة الجميلة.. وحوار يحمل من اسمها الكثير…
.

.
“ثلاثي النجاح”
تعدت تجربتك ثلاثة عقود. وأكثر سؤال يلح في البال: كيف تمكنتِ من إمساك كافة الخيوط، أي النجاح في التلفزيون والمسرح والإذاعة والسينما. بحيث برزتِ في جميعها؟ هل هو  الشغف أم الاجتهاد أم ماذا؟

يبدأ الفنان بالشغف ثم بالاجتهاد ثم يقوم بإحداث توازن بين العمل في المسرح وإثبات الذات في التلفزيون، ثم في ذات الوقت يحقق وجوده في الإذاعة. يعني في كل الوسائل المتاحة للتمثيل. حتى السينما، وأعتقد أني محظوظة لأن عملت في 5 أو 6 أفلام وكانت جيدة ومؤثرة. وكذلك عملت كثيراً في الإذاعة وما زلت.
إذاً، نحن أمام ثلاثي: الشغف ومن ثم الاجتهاد فالتنظيم والتخطيط، لأن كل ذلك يقود غلى إقامة التوازن بين هذه الأنماط الفنية وإجادة إبراز الموهبة في كل منها.

.
عطفاً على سؤالي السابق، عادة يتميز الممثل بدور ما سواء في الكوميديا أو الدراما أو أدوار الخير أو الشر أو الحيادي أو المستهدف أو أو. فيما نجدك ابتعدتِ عن “النمطية” وبرعتِ في كل أدوارك. إنما من أين أكتسبتِ هذه المهارات الأدائية لأدوار الشر؟

(تضحك) نعم، أنا أعتبر نفسي برعت بأدوار الشر في التلفزيون تحديداً. وسأكشف لكِ سراً: الدراما بشكل عام تكتب أدوار الشر بشكل أجمل وأجود من أدوار الخير! فأدوار الشر تحتاج حقيقة لقدرات وإمكانيات وطاقات تمثيلية، فهي “دينامو” في العمل. لهذا جنحت إلى أدوار الشر لأنها تحرك الأحداث وتحرض إمكانياتي. لكن أنا لا أريد الذهاب عميقاً وكتيراً في هذه الأدوار. بل أحاول تقديم أدوار “لايت” دراما ومعاصر وكوميديا.
أيضاً سأعترف بأنني قصرت في الكوميديا كثيراً (مع أنني أحبها) ربما لم يعرض علي ما يناسبني! وحين يكون مناسباً لي لا يعرض علي! يعني اشتغلت بعض المسلسلات “عائلة 5 نجوم” و”يوميات” و”أزمة عائلية” وغير ذلك. لكن لا أخفي أن ثمة أدوار كانت تناسبني وتمنيت أن أشارك بأعمال كوميدية مثل “ضيعة ضايعة” وأيضاً “خربة”. لكن ما يهم هنا أن الممثل الناجح والفنان الحقيقي يبرع في أداء كافة الأدوار خير أو شر أو كوميديا أو تراجيديا.


.


“أدوار صعبة”
لديك ما يزيد عن عشرات الأعمال (بيئة شامية وبدوية واجتماعية ومعاصرة) والملاحظ في معظم أدوارك أنها مركبة ومعقدة، وفي كل شخصية عدة ذوات داخلها. لا أريد إحراج تواضعك، لكن لمَ يسند المخرجون أدواراً صعبة إليكِ؟

المخرجون اعتادوا على أنني أذهب باتجاه الأدوار الصعبة والقوية والمركبة. في بداية حياتي الفنية كان لدي رغبة أن أقدم وأنتقي أدواري وأن يكون مخطط لها. بمعي أخطط أن أعمل في هذه السنة عمل تاريخي وآخر معاصر وآخر بيئة شامية. لا أحب أن أكرر نفسي. لكن جاءت فترة اضطررنا لعمل البيئة الشامية (خلال الحرب) وأنتجنا منها الكثير. إنما أحاول أن أضع من روحي وذاتي إضافة إلى أي دور، فأضيف إلى دور الشر اتجاهات وأضع فيه رشة خير. وأضع في أدوار الخير رشة شر أو كوميديا، أحب أن أعقّد الأدوار والشخصيات كي لا تكون أدوار مسطحة، وهذا ضالة المُخرج.

.
“بانتظار  دور تاريخي”
عادة يتهرب الفنان من الإجابة على سؤال حول “الدور” الذي يرتاح إلى أدائه أكثر من غيره. وأنا هنا أريد إجابة عن الدور المفضّل (دراما) لدى أمانة والي؟ ومن ثم الدور الذي تنتظرينه لتفجير وتقديم المزيد من الطاقات؟

أنا بطبعي أحب الأدوار  التي تحتاج إلى جهود، وأن يكون فيها ما هو إشكالي كي أشتغلها، كونها تعطي مساحة تمثيل أعمق.
وحقيقة أرغب أن أعمل دوراً تاريخياً لشخصية لها تركيبتها وأبعادها، وتكون بالفصحى. عملت في المسرح كثيراً باللغة الفصحى، لكن أتوق إلى دور تاريخي تلفزيوني باللغة الفصحى لأنني أحب اللغة العربية وأجدها معبرة وثرية وقوية.

“جولة حول العالم”
المؤسف أن الجمهور السوري والعربي، قد لا يتمكن من مشاهدة عروض المسرح في دمشق. فهي غالباً لا تُصوَّر للتلفزيون. ألا ترين أنكِ رغم كونك سيدة المسرح؛ من الظلم أن جمهور التلفزيون لا يعرف أدوارك وبطولاتك المسرحية؟

معك حق، من المؤسف أن لا تعرض أعمالنا في الوطن العربي. ربما التلفزيون السوري يعرض أعمالنا أحياناً. وقد فوجئت قبل فترة بأنه قدّم برنامج عن اشتغالي بالمسرح وأعمالي فيه. وعرضوا الكثير من أدواري وأعمالي!
لكن مسرحية “مؤتمر هاملت” كتابة وإخراج سليمان البسام، من إنتاج “مهرجان المسرح الياباني” جلنا فيها حول العالم أكثر من 20 بلد لمدة عامين مثل: اليابان والمانيا وبريطانيا والهند والكويت وايران وبولندا والدنمارك وسيؤول وسنغافورة… كانت فرصة مهمة لأن يرانا العالم ويتعرف إلى مسرحنا وعروضنا. وقيل في بريطانيا أن عرضنا السوري عن “هاملت” كان أجمل من عرض الكاست الانجليزي. وهذا أمر مشجع لنا. كما عرضت مسرحية لي “ذاكرة الرماد” قدمناها في “مهرجان بروكسل” وأيضاً في “مهرجان زيورخ” ومهرجانات أخرى. لكن أتفق معك في أن المسرحيات يجب تصويرها تلفزيونياً ليتم عرضها على الجمهور في كل مكان.

“المسرح وإدارته”
سواء كممثلة أو مديرة للمسرح القومي. حدثينا عن تلك الفترة. تحديداً الصعوبات التي واجهتك؟

بالطبع كانت هناك صعوبات عدة أهمها: الصعوبات المالية، خاصة في ظل الحرب ومرور سورية في ظروف اقتصادية صعبة. حاولنا كثيراً رفع أجور الممثلين إلى الضعف لكن ظلت قليلة وشحيحة. والميزانيات لا تكفي، وهناك مشكلة في الإمكانيات المالية متواصلة. سأسوق لك مجرد مثال عن الصعوبات التي واجهتها: أطلب من مخرج أن يقوم بإخراج عمل مسرحي، فيقول لي معتذراً “معروض علي إخراج مسلسل في بيروت أو من شركة إنتاج والعائد المادي كبير!”. فماذا يمكنني أن أقول له؟ هو أيضاً يريد أن يعيش ويحتاج المال كي ينفق! وقيسي على ذلك!
إذاً.. اقتصادياً يعاني المسرح وربما يظل هكذا إلى أن تتحسن البلد وتنتعش اقتصادياً بشكل عام. ونتمنى أن تقوم السيدة وزيرة الثقافة بالاهتمام بالمسرح مثلما تم الاهتمام بالسينما نوعاً ما. يعني حال السينما السورية أفضل من حال المسرح.


.
.
“الممثل المسرحي شهيد”

على الرغم من قصر فترة إدارتك للمسرح القومي، لا بد من وجود إنجازات أو بصمات تركتها به. خاصة مع الترحيب الذي قوبل به تعيينك كأول امرأة تدير المسرح القومي في سورية؟

نعم فترة إدارتي للمسرح لم تكن طويلة لأتمكن من إنجاز الكثير. لكن رغم ذلك قدمنا في ظل تلك الظروف الصعبة العديد من الأعمال، واستقطبنا وتواصلنا مع فنانين كثر للعمل في مسرحيات القومي (ولو عن طريق التخجيل والموانة)!حتى أنني تواصلت مع الفنان عباس النوري لأجل المسرح بخاصة أنه سبق له تقديم مسرحيات. أقمنا كذلك مسابقة للمخرجين الشباب، وقبلنا 6 عروض. واستقدمنا بعض المخرجين للعمل. وحاولت التركيز على الكوميديا كي نبتعد عن التراجيديا والدراما. كنا نحتاج إلى الكوميديا وبعض الأمل والبسمة لنقدمها للجمهور.
إنما أعود واقول: الحالة الاقتصادية لم تكن مشجعة. كل من يعمل في المسرح هو شهيد.. ينفق أجره على المواصلات وثمن الساندويشات!

.

“سينما وإذاعة”
إذا ولجنا إلى الفن السابع، لديك عدة أعمال سينمائية فقط، لم هذا الابتعاد عن عالم السينما؟

قدمت 6 أفلام في فترات زمنية متباعدة.. وكانت السينما هاجسي حقيقة. لكن كما تعلمين ظروف السينما بسورية تعاني من حيث الإنتاج بعض الشيء. ليس لدينا غزارة في الإنتاج السينمائي ولا شركات إنتاج خاصة. و”المؤسسة العامة للسينما” لن تتمكن من تقديم أدوار لهذا الكم من الممثلين الذين تخرجوا من “المعهد العالي للفنون” وما زالوا منذ عدة عقود.
عملت بشكل معقول  بل جيد -بالمقارنة مع بنات جيلي- لدي فيلم “الشمس في يوم غائم” وعملت مع الفنان الراحل ريمون بطرس في “الطحالب” وأيضاً في فيلم إيراني سوري “الطريق” وفي فيلم “سحاب” وفي “المرابي” وأيضاً في فيلم “حياة دمشقية”. ومؤخراً في فيلم “ماورد”. لكن كل ذلك لا يرضي طموحي ولم أحقق تطلعاتي السينمائية رغم شغفي بها.

.

لا أدري إن كنتِ ترين أنه مع انتشار وازدهار الفضائيات والإنترنت، خَفُت الإقبال على سماع الإذاعة! إنما ماذا عن عملك في مسلسلاتها؟

أحببت الإذاعة كثيراً وفيها شهدت بداياتي الفنية فور تخرجي من “المعهد العالي للفنون المسرحية” من خلال الفنان الراحل زياد مولوي في “حزورة رمضان”. ومنذ عامين أقدم في الإذاعة مسلسل ظريف جداً هو “حكايا الفن والفنانين” وكذلك في “حكم العدالة”.

أعتقد أنه لا يوجد فن يُغني عن فن. أو وسيلة تلغي وسيلة. فمع ظهور “الفيديو” قالوا إن السينما ستتأثر، لكن الناس لا تزال تذهب إلى دور السينما لحضور الأفلام. والفضائيات كذلك لم تستطع إلغاء أي وسيلة سابقة. فلكل من المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما والانترنت جمهوره وحالته. يعني مثلاً لا تزال الساعة الواحدة من يوم الثلاثاء هي ساعة “حكم العدالة”. وأيضاً تقدم “روتانا كلاسيك” كل ليلة الساعة 11 أغاني أم كلثوم، وهو موعد يهتم به الكثير من المشاهدين. أيضاً الإذاعة رفيقة الناس في البيت والسيارة وكل مكان، ولن يخفت وهجها.

.


“بيت الشغف”
نعرف أنك التزمتِ بالاجراءات الاحترازية المتصلة بجائحة “كورونا”. إنما هل هناك مشاريع فنية أو نصوص تقرئينها؟ (ما جديدك)؟

التزمت بالإجراءات الاحترازية، وتوقف عملنا المسرحي الذي كنا قد باشرنا بروفاته وهو “بيت الشغف” من إعداد واقتباس وإخراج الفنان الصديق هشام كفارنة. ثم عدنا إلى تقديمه بعد فترة، في صالة توفر للجميع التباعد المكاني، وحظي العمل بإقبال وتقدير جميلين.
من جهة أخرى نعم لدي أكثر من مسلسل أعمل على تصويره هذه الشهور، كي تكون جاهزة للعرض في موسم رمضان المقبل. وكالعادة انتقيت ما هو “بيئة شامية” وكذلك مسلسل “بوليسي معاصر”، و”شامي قديم”. في شخصيات مختلفة لئلا أكرر الأدوار. يعني عملت مؤخراً في “ولاد سلطان” وفي “باب الحارة 11″. وأصوّر دوري في “رد قلبي” للمخرج عمار تميم. وكذلك أصوّر دوري في “الكندوش” وهو من جزئين، مع المخرج سمير حسين. 

.
“أصعب.. وأرحب”

يخوض نجلك سليمان رزق عالم الفن أسوة بوالديه.. كيف تنظرين إلى موهبته وشغفه؟

نعم، يعمل ابني في الفن مثل والديه، ومتعلق في التمثيل بشكل كبير. فهو يشارك في الأعمال منذ سن الخامسة. وكان بإمكانه دراسة الطب أو الصيدلة لأن مجموع علاماته كان يؤهله لذلك، لكن كان خياره “معهد العالي للفنون المسرحية”. الجميل في ابني أنه شغوف ومجتهد جداً، يقضي الوقت في تجهيز أدوات ولباس وهيئة وتركيبة كل دور يقوم به. الناس هي من تقرر إن كان موهوباً أو غير ذلك. لكن أنا أستطيع الحديث عن عشقه وشغفه بالتمثيل ومدى اجتهاده والتزامه وسعيه.
لقد نصحته أن يقدم كل سنة عمل مسرحي مهما كانت لديه أعمال أو انشغال أو ظروف ما. قلت له: المسرح معلمٌ مهم. سيصقل موهبتك ويعزز أدواتك ويعيد النظر في قدراتك، فالمسرح يجوهر الممثل. عموماً.. هو يحب المسرح كثيراً، وملتزم بنصيحتي بدليل انه منذ تخرجه وحتى الآن قدم ثلاث مسرحيات.

..
حسناً.. وما الذي تقولينه لمن هم في مثل سن ابنك؟ أية نصيحة توجهينها للفنانين الشباب؟

رغم كل ظروفنا وكل الضائقات الاقتصادية والصحية واليومية لا زلنا نعمل ونعيش ونسعى، ولدينا الأمل.
لذا أتمنى على الفنانين الشباب أن لا يستسلموا ويستسهلوا الفن! وأيضاً أن يشحنوا أنفسهم ولا يستصعبوا الظروف، فكلما كانت الظروف أقسى وأصعب كلما كان الفن أعلى وأرحب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى