إضاءاتالعناوين الرئيسية

“أكثر بكثير” .. أحمد علي هلال ..

 

ليس السؤال تماماً عن المسافة التي قطعتها التجربة/ تجربة الفنان الكبير بسام كوسا في ميدان السرديات، أي ما بين مجموعته القصصية «نص لص» وصولاً إلى روايته الأولى «أكثر بكثير».. فثمة تجربة اختمرت مكوناتها ليذهب -الفنان- بشيء من الاطمئنان إلى انفتاح بنيته السردية لتحتمل –هذه البنية- تجريباً واعياً للرواية.

.

لا تنطوي المسألة هنا على محض مقارنة بين الأجناس الأدبية، بل أكثر من ذلك ذهاباً إلى نمط سردي تعضد متنه الحكاية، وبضمير المتكلم الطليق، وعليه ستغدو فعاليتي الاستبطان والتشريح الأقرب إلى صنعة الفنان بسام كوسا مجالاً خصباً لتقود شخوصه الروائية، وهي المستلة من القاع تماماً، برنامجاً سردياً يتعلق ببعض تقاليد كلاسيكية الرواية، لكنه يفارقها عن قصد ليجترح أسلوبية مختلفة تقوم على صهر الأصوات داخل صوت الشخصية الرئيس «مبروك»..
وعليه إلام سيؤول «نول الحكاية»، لا سيما حينما نذهب مع «مبروك» وصدمته الإيجابية إلى نسق خطابي حواري يقوم على الإيهام لتسويغ الواقع، دون التخفف من عنصر التشويق الذي يبثه السارد الضمني حيث تتعاضد اللغة والوصف والشخصية في تشييد نص ذو بناء هارموني تصاعدي بـ تسع وعشرين وحدة سردية مؤتلفة ومختلفة، بصيغة السرد الخطي وتنامي الأحداث «حالات نفسية» خارجية وداخلية تشي بلحظات وعي الشخصية، أي ليقبض المتلقي على نول المتخيل إذ ان الحلم هو من يخصب ذلك المتخيل، حلم مبروك الباحث عن شرطه الإنساني في عالم محكوم بالتناقض والصراع والمفاجآت، تُرى هل كان مبروك نتاج الخطأ أم الضرورة؟!

لنذهب كقراء محتملين بغواية العنوان إلى ما يعنيه الفنان من دلالة للفراغ، وأكثر من ذلك من مضارعته لرواية غابرييل ماركيز «مائة عام من العزلة» بنسق آخر يقول مائة عزلة في يوم. مبروك القارئ النهم والكاتب المصر على أن يكتب عزلته ومكابداته مع الشخوص التي شكلت نسيج حياته «معلم النول، برهان، الأستاذ عادل السعيد، سماح، أبي سماح» على سبيل المثال، وعليه فإن ما تنتهي إليه الرواية، أي إلى ذلك النزوع العجائبي «تلمست أطراف جسدي مصعوقاً إذ كان مكسواً بالصوف، نظرت إلى قدمي وقد تحولتا إلى أظلاف قد شطرت من المنتصف، وصرت أسير على أربع، لم أصدق ما صرت إليه، لقد صرت خروفاً».

يأخذنا إلى الحلم واستيهاماته وضراوة الواقع وبتطييف الزمان والمكان، تتلامح واقعية سحرية بنكهة سورية خالصة، أرادها الكاتب بشعرية مقتصدة مقطرة دون مقدمات شعرية أو سردية، ما خلا عتبة دالة بالكثير للشاعر نزيه أبو عفش «أيها الإنسان يا ندم الله»، وبتضافر دوال الحكاية نقف مع معلم النول في جملته الأثيرة «إذا لم تصنع البساط من خيوط متينة وجيدة، فإن القطعة الملونة ستبدو لك في ظاهرها أنها جميلة. لكن في الحقيقة إن الخيوط مهترئة وتتأثر بأقل العوامل إن كانت خارجية أم من داخل البساط».
.

*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا

 

لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews/

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى