رأي
أعترف بأنني تعلمت الدرس : الحياة هشة أحياناً ، وظالمة دائماً .
قمر الزمان علوش ..
|| Midline-news || – الوسط ..
منذ الطلقة الاولى .. عالمي البسيط الذي بنيته طوبة طوبة ولبنة لبنة وحلم بعد حلم بدأ بالتصدع والانهيار ، عالم بكامله يتفتت بين حجري رحى ويتسرب من بين أصابعي كمسحوق الفضة ، لكأنما لم يكن هناك في حياتي كلها شيء حقيقي ، لكأنما كل ماعشته لم يكن الا جريا وراء أشباح وأشياء وهمية .
انظر حولي الآن .. هذه البقعة الجغرافية التي خلق الله فيها كل مناخات الطبيعة ، وهبطت عليها الديانات السماوية الثلا ث ، وخزنت أرضها طبقات كثيفة من التاريخ العريق ، أصبحت الآن مكانا يستطيع فيه المرء ان يفلس روحياً ، كل شيء فيه يريد أن يجعلك وحشا أو مجرما عاديا أو انسانا ضيق الأفق أو انسانا تائها ،
انه المكان الأكثر حزنا في العالم ، أسوأ الأيام هي تلك الأيام التي لاينتظرك فيها أحد أو شيء ما ، وأسوأ منها تلك الأيام التي لاينتظرك فيها الا السراب والتيه ، أكثر مايعذبني أناس متألمون لغة الكلام معطلة بينهم وكل يسير في درب موحش فلايعرف متى سيضحك مجددا ، هذه الوجوه المحطمة تشبه حديقة مهشمة بورود ذابلة ومروج جرداء ، النظر اليها يصيبني بلحظات من الحيرة والاحساس بتوقف الحياة .
” حلّق طائر بحري وحيد فوق قمم الجروف الصخرية ، وأطلق عدة صرخات معدنية رنّت في الفضاء الفسيح وخلفت وراءها شعورا تعساً الى حد الإيلام ، كانت الأمواج هادئة في رقة ومرحة الزرقة ، وكانت عدة زوارق صيد منتشرة عند خط الافق حيث تتحول المياه هناك الى زرقة كثيفة مكللة بالتماعات شمسية فضية ، وتعبر فوقها سحابات بيض نشطة زاحفة من الغرب كأراجيح النوم ، صيحات الطائر شوشت ذلك المهرجان اللوني الهائل وبددت تأملات أدهم أفندي وجعلته يتصل بالحقيقة المرة ، اذ انه رغم أنه يعيش بين الناس الا انه في النهاية يعيش وحيدا .. تمر ساعات يشعركأنه يطفو فوق الواقع في منطقة من فقدان الاحساس حيث لاسعادة ولا حزن ، مجرد شعور بفراغ النفس كأنما لم تولد فيها أفكار ولا عواطف ولا ذكريات ، نوع من العوم فوق الأشياء والتأرجح مع الريح كتحليق ذلك الطائر الوحيد فوق أبنية وخرائب وشطآن وغابات وأعشاش متناثرة هنا وهناك ، فلا تعرف قائمتاه أين تحطان ” ،
هذا مقطع من رواية لي بعنوان ” بريد تائه ” كتبتها قبل عشر سنوات وصدرت عن دار الريس في بيروت ، وقتها كنت أكتب عن الآخرين ، لم يخطر في بالي وقتئذ قط أنني انما كنت أكتب قصتي الذاتية قبل أن تقع ن أنا ادهم أفندي في تلك اللحظة وكلانا ذاك الطائر الوحيد الذي يتأرجح مع الريح فلا تعرف قائمتاه أين تحطان ، أرجوكم لاتضعوا هذا البوح في خانة اليأس والتشاؤم .
أنا لم ايأس ولن أقبع في بيتي كطائرٍ جريح ، ضعوه في خانة الاعتراف بأنني تعلمت الدرس : ان الحياة هشة أحياناً .. وظالمة دائماً .