
تزداد المخاوف من أزمة قمح تهدد الشرق الأوسط.. فيما تشير التوقعات إلى أن الحرب المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا قد تسبب أزمة تهدد الأمن الغذائي في عديد من المناطق في العالم ..التي تعتمد على القمح الروسي والأوكراني
وحذر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنه “إذا عطلت الحرب إمدادات القمح” للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، “قد تؤدي الأزمة إلى تظاهرات جديدة وعدم استقرار في دول عدة”.
أزمة قمح تهدد الشرق الأوسط
من المناطق الأكثر تأثراً بالصراع العسكري في أوكرانيا، هي منطقة الشرق الأوسط، وعلى الأكثر مصر وتركيا، وهما بين أكبر مشتري القمح في العالم، ما يعني أنهما ستدفعان الثمن الأغلى في حال أسفر الصراع عن تعطيل إمدادات الغذاء العالمية، بالتالي ارتفاع الأسعار الذي سوف يثقل كاهل ميزانيات الدول.
و تعرف أوكرانيا باسم سلة الخبز في أوروبا، وهي مسؤولة عن 10% من صادرات القمح في العالم، كما تصل صادرات القمح الوفير في أوكرانيا إلى دول شمال أفريقيا الذين يعتمدون غالبًا على الواردات لإطعام سكانها وإبقاء أسعار الخبز منخفضة، إذ تعد أوكرانيا وروسيا من الموردين الرئيسيين لمصر، أكبر مستورد للقمح في العالم.
أندري سيزوف، العضو المنتدب لشركة SovEcon، وهي شركة أبحاث روسية تركز على أسواق الحبوب في البحر الأسود، قال إن الأضرار التي قد تحيق بالبنية التحتية الزراعية في أوكرانيا قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنسبة تتراوح بين 10% و20%.
ويستفيد المشترون في الشرق الأوسط من الطريق البحري القصير عبر مضيق البوسفور وسيتعين عليهم دفع المزيد في تكاليف الشحن لجلب القمح من الولايات المتحدة أو أستراليا.
ويشير الكاتب الصربي نيكولا ميكوفيتش إلى أن “الاحتلال العسكري لموانئ البحر الأسود قد يؤدي إلى حجب كمية كبيرة من المواد الغذائية عن الأسواق الدولية، ما سيؤثر بلا شك على دول مثل لبنان ومصر واليمن وإسرائيل وعمان، مشتري القمح الأوكراني الرئيسين. كما يمكن أن تتأثر دول الخليج العربي التي تأتي خامساً ضمن أكبر 11 مستورداً للدجاج الأوكراني من دول الشرق الأوسط عام 2020.
لبنان واليمن
ويعاني لبنان واليمن على وجه الخصوص من تحديات خطيرة تتعلق بالأمن الغذائي، ومن ثم فإن أي أزمة إضافية في الموارد قد تكون كارثية.
ويقول الكاتب الأميركي أنتوني فايولا في مقال في صحيفة “واشنطن بوست”، إنه على مدى السنوات العشرين الماضية، عززت المحاصيل الأوكرانية الوفيرة من دور البلاد كقاعدة خبز عالمية، إذ أصبح بعض أكبر عملائها هم من البلدان المتضررة اقتصادياً، أو التي مزقتها الحرب أو الدول الهشة في الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك اليمن ولبنان وليبيا. ومن ثم فإن نقص الحبوب أو ارتفاع الأسعار لن يؤديا إلى تعميق الألم فحسب، بل سيسفران عن عواقب اجتماعية لا يمكن التنبؤ بها.
وقال ألكس سميث، المحلل الزراعي لدى معهد بريكثرو، في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، في مقال في مجلة “فورين بوليسي” ،إن التهديدات لصادرات القمح الأوكرانية تشكل أكبر خطر على الأمن الغذائي العالمي.
وأشار سميث إلى أنه في عام 2020، جاء نصف القمح المستهلك في لبنان من أوكرانيا، وتستورد اليمن وليبيا على التوالي 22% و43% من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا.
وفي عام 2020، صدرت أوكرانيا أيضًا أكثر من 20% من القمح لماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش.
كما تُعد مصر مشتر رئيسي للقمح الأوكراني، لذلك فإن ارتفاع الأسعار المحتمل للقمح الأوكراني قد ينعكس سلبًا على مصر، خاصًة مع سعى الحكومة المصرية لرفع الدعم عن الخبز.
وأضاف سميث إلى أنه إذا حدث هجوم على أوكرانيا، قد يؤدي ذلك إلى استيلاء روسي على الأرض، مما فقد يؤدي لانخفاض إنتاج القمح وسط فرار المزارعين وتدمير البنية التحتية.
من ناحية أخرى، صدرت أوكرانيا أكثر من 8 ملايين طن من الذرة إلى الصين في عام 2020، وهو ما يزيد قليلاً عن ربع إجمالي صادرات الذرة الأوكرانية في ذلك العام، وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية.
لذلك قد يؤدي نقص الذرة الأوكراني إلى قيام الصين بشراء الذرة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب رويترز، تشكل صادرات الحبوب هي حجر الزاوية في الاقتصاد الأوكراني، ومن المتوقع أن تصدر البلاد هذا العام أكثر من ثلاثة أرباع محصولها المحلي من الذرة والقمح.
حيث تزداد أهمية أوكرانيا بالنسبة للبذور الزيتية لأنها تمثل نصف صادرات زيت عباد الشمس في العالم، وهي المصدر الثالث لبذور اللفت.
وسجلت العديد من البذور الزيتية العالمية، وخاصة الزيوت النباتية، أسعارًا قياسية مرتفعة خلال العام الماضي.
وفي هذا العام، من المتوقع أن تمثل أوكرانيا 12% من صادرات القمح العالمية، و16% للذرة، و18% للشعير، و19% لبذور اللفت.
مزيد من ارتفاع الأسعار عالمياً
ومطلع الشهر الحالي، أفادت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) بأن مؤشر الأسعار العالمية للأغذية قد سجل ارتفاعاً في يناير (كانون الثاني) الماضي. يأتي ذلك امتداداً لقفزة أسعار المواد الغذائية العالمية لنحو 28 في المئة في العام الماضي، حين ارتفع متوسط السعر العالمي للحبوب بنسبة 27.3 في المئة في سبتمبر (أيلول) 2021 مقارنة مع شهر سبتمبر 2020، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ عقد.
ودفعت مخاوف الحرب العقود الآجلة للذرة بالفعل إلى أعلى مستوياتها منذ يونيو (حزيران) الماضي، كما دفعت عقود القمح الآجلة إلى أعلى مستوياتها في شهرين قبل التراجع أخيراً.
وبالنسبة إلى دول شمال أفريقيا، المغرب والجزائر وتونس، يقول ميشال تانشوم، الزميل لدى معهد الشرق الأوسط، في واشنطن، إن “هذه الدول دخلت في أزمة أمن غذائي، إذ تشهد بالفعل معدلات تضخم في أسعار المواد الغذائية لم تشهدها منذ الفترة السابقة للربيع العربي قبل أكثر من عقد”.
وأشار إلى أن أزمة الغذاء في الدول الثلاث تؤثر بشدة في أسعار الخبز الذي يعد جزءاً رئيساً من الوجبة الغذائية اليومية للسكان في الشرق الأوسط.
ووفقاً لمعهد الشرق الأوسط، بلغ سعر القمح المستخدم في صناعة الخبز 271 دولاراً للطن في نهاية الربع الثالث من عام 2021، بزيادة قدرها 22 في المئة على أساس سنوي.
وارتفع السعر في الربع الرابع من عام 2021 بشكل أكبر مع تقلص المخزونات العالمية، حين تعرضت الولايات المتحدة وكندا وروسيا وبقية منتجي منطقة البحر الأسود لأضرار في المحاصيل بسبب الجفاف والصقيع والأمطار الغزيرة.
في الولايات المتحدة نفسها، على سبيل المثال، من المتوقع أن يصل مخزون القمح إلى 580 مليون بوشل (مكيال الحبوب ويعادل الواحد بوشل من القمح 27.2 كغ) بحلول الأول من حزيران /يونيو 2022، وهو أصغر مخزون منذ 14 عاماً.
مخاوف بريطانية من أزمة غذائية
وحذر سميث من أن تهديد صادرات القمح الأوكراني تشكل أكبر خطر على الأمن الغذائي العالمي، إذ لا يقتصر التهديد على دول الشرق الأوسط فحسب، بل إن الصين ودول الاتحاد الأوروبي من بين الزبائن الرئيسين للحبوب الأوكرانية، فعلى سبيل المثال صدرت كييف أكثر من 8 ملايين طن من الذرة إلى الصين عام 2020، وهو ما يزيد على ربع إجمالي صادرات الذرة الأوكرانية، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تحدثت وسائل إعلام غربية عن مخاوف داخل بريطانيا بشأن اندلاع أزمة غذائية في حال شنت روسيا عملاً عسكرياً ضد أوكرانيا، بالنظر إلى أن الأخيرة تشكل مصدراً مهماً لمنتجات الحبوب والدجاج للبريطانيين، خصوصاً أن توسع الصراع قد يضر بقطاع الأسمدة بالغ الأهمية للزراعة المحلية.
ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة التجارة الدولية في المملكة المتحدة، فإن أوكرانيا تأتي في المرتبة 63 كأكبر شريك تجاري لبريطانيا، وقد بلغ حجم التجارة في البضائع بين البلدين 1.6 مليار جنيه استرليني بين 2020/2021.
وقال باتي تومس، رئيس غرفة التجارة الأوكرانية البريطانية، في تعليقات لصحيفة “بوليتيكو”، إن “أوكرانيا هي المنتج الزراعي الرائد في المنطقة، وأقوى منتج في أوروبا (إلى حد كبير)، مع إمكانية مضاعفة إنتاجها مرات عدة”.
مشيراً إلى أن أوكرانيا بمفردها يمكن أن تضمن الأمن الغذائي في المملكة المتحدة، التي تستورد أكثر من نصف الطعام الذي تستهلكه. وأوضح أن طرق التجارة بين البلدين ستكون آمنة من التوترات الجيوسياسية في البحر، بالنظر إلى وجود سكك حديدية يمكن أن تنقل البضائع بين البلدين في وقت قصير، ذلك ما لم يتم إغلاق الحدود.
وأضاف تومس “غزو أوكرانيا سيضر بشكل كبير بالأمن الغذائي لبريطانيا، إذ إنها أكبر مصدر غذائي قريب جغرافياً للمملكة المتحدة. كما أنه يمثل تهديداً للأمن البريطاني بنفس طريقة نابليون وهتلر وستالين عندما حاول كل منهم غزو أوروبا”. ناهيك عن أن روسيا نفسها تعد مصدراً رئيساً للغاز الطبيعي لأوروبا، الذي يستخدم للتدفئة ولصنع الأسمدة، وكذلك لإنتاج الأساسيات مثل البيرة والخبز والجبن.
المصدر: وكالات
تابعونا على صفحة الفيس بوك…