اقتصاد

أرز صيني هجين يعزز الأمن الغذائي في الدول الفقيرة

|| Midline-news || – الوسط …

 

يُعد الأرز المحصول الغذائي الأول في العالم، ويُزرع على مساحة 146 مليون هكتار (حوالي 360 فدان)، ينتج منها نحو 520 مليون طن من الحبوب. وفي دولة مثل الصين، يصل تعداد سكانها إلى ما يزيد على مليار و400 مليون نسمة، يعد الأرز من المحاصيل الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها. وينتج حوالي 90% من إجمالي محصول الأرز حول العالم بها.

لكن زراعة الأرز تواجه تحديات بسبب التغير المناخي، ولمواجهة هذه التحديات يتطلب ذلك حلولًا مبتكرة لإطعام العالم. ومن هذه الحلول المبتكرة هو الأرز الهجين، الذي يُعد مستقبل العالم.

والأرز الهجين هو ناتج عبور جيلين ذوَيْ صفات متميزة من الأرز، لإنتاج سمات معينة مرغوبة أكثر، مثل زيادة الغلة، أو مقاومة الأمراض، وتحسين جودة المحصول؛ إذ يساعد التهجين في زيادة إنتاجية الأرز المستدام بتكلفة أقل.

فباستخدام التكنولوجيا المناسبة يمكن للأرز الهجين أن ينتج محصولًا يفوق محصول الأرز العادي بمقدار 20-30%. وزيادة المحصول ستؤدي بالطبع إلى زيادة دخل للفلاحين؛ ما يجعل من زراعة الأرز أمرًا مرغوبًا من المزارعين، الأمر الذي جعل منظمات مثل المعهد الدولي لبحوث الأرز (IRR) يطور أنظمة بديلة لإنتاج الأرز.

وعليه؛ كان العلماء الصينيون هم أول من بدأ بتربية الأرز الهجين في السبعينيات، لمواكبة الطلب المتزايد على الأرز، وأثمرت هذه الخطوة عن زيادة 15-20% من أفضل أنواع الغلة المحسنة. وقُدِّر إنتاج الصين منه في عام 1995 بنحو نصف إجمالي المساحة المزروعة من الأرز في الصين.

جدير بالذكر أن هذا النوع من الأرز له القدرة على تحسين الأمن الغذائي في الدول الفقيرة، وقد سُوِّق جيدًا في آسيا والأميركتين، وبدأت الدول الأفريقية في استغلال فوائده؛ بسبب ما تعانيه من نقص حاد في الغذاء.

أبو الأرز الهجين.. قصة الصيني الذي أنقذ الملايين من الجوع
يُنسب الفضل في اختراع الأرز الهجين إلى يوان لونج بينج الذي توفي في مايو (أيار) 2021، عند عمر ناهز التسعين عامًا، والذي وصفته دورية «ناتشر» العلمية بأنه أبو الأرز الهجين.

ويوان كان واحدًا من أشهر العلماء في الصين، وأدار مركز الصين الوطني لبحوث الأرز الهجين وتطويره في تشانجشا. وترجع قصة اكتشافه لهذا الأرز إلى صيف 1961 عندما اكتشف يوان ساقًا من الأرز الهجين، عندما كان هو وفريقه يبحثون عن السلالات البرية اللازمة لإنتاج البذور المهجنة.

وقد ألهم نجاح يوان إنتاج الأرز الهجين في الهند، وفيتنام، والفلبين. عندما حدد عالم الوراثة الياباني هيروشي إيكهاشي الجين الذي يعزز الخصوبة في الهجينة في منتصف الثمانينيات. وما فعله يوان أنه هجَّن سلالات نباتية متنوعة، وقد نتج من الزيادات الإنتاجية التي أحدثها الأرز الهجين في عام 1999، إطعام 100 مليون صيني كل عام.

الأرز والقارة السمراء
تعد الزراعة هي حجر الزاوية لأفريقيا، والمساهم الرئيسي في إجمالي الناتج المحلي للعديد من البلدان، ويعمل أكثر من نصف السكان الأفارقة في قطاع الزراعة. ومع ذلك تنتج أفريقيا نسبة قليلة من الغذاء بالنسبة لسكانها. كما أن الطلب المتزايد على الأرز لم يقابله زيادة في الإنتاج.

تستورد القارة السمراء الأرز فقط في الوقت الحالي بأكثر من 5 مليارات دولار، وهو ما يمثل نحو 40% من احتياجات القارة من الأرز. ويرتفع استهلاك الأرز في أفريقيا بنحو 8% مقابل زيادة الغلة أقل من 6% سنويًّا؛ مما أدى إلى عجز يزيد على 12 مليون طن متري، ومن بين 43 دولة منتجة للأرز في أفريقيا، أكثر من نصف هذه الدول مستوردة للأرز.

و قد كثفت الصين جهودها لتأكيد نفوذها الاقتصادي ودحض ادعاءات المشككين بسياساتها الاقتصادية من خلال تعزيز الأمن الغذائي الأفريقي عبر تطوير بذور هجينة تساعد في مضاعفة محاصيل المزارعين.

و ساعدت الصين دولا أفريقية على تطوير زراعة الأرز المعدل وراثيا، والذي يشكل مادة غذائية أساسية في معظمها.

وبالنسبة إلى المزارعين في القارة، التي يتجاوز عدد سكانها 1.2 مليار نسمة، فقد سمح لهم محصول الأرز الهجين بتحسين الأمن الغذائي ورفع مستوى دخولهم. ومع مناخ استوائي رطب وأشعة شمس وفيرة وموارد مياه غنية.

تتمتع مدغشقر بتقليد طويل في زراعة واستهلاك الأرز..

لكن بسبب عدم كفاية الموارد المالية والتقنيات الزراعية القديمة، يعاني البلد من مشكلة تراجع إنتاج الأرز المحلي منذ فترة طويلة، مما يضطر الحكومة إلى استيراد مئات الأطنان سنويا، ومع ذلك لا يزال ذلك غير كاف لتفادي المجاعة.

وفي عام 2010، وصل فريق من الخبراء الصينيين إلى مدغشقر، وبمساعدتهم وصل إنتاج مجموعة متنوعة من المحاصيل الهجينة إلى 10.8 طن للهكتار الواحد هذا العام، وهو ما يتجاوز بكثير معدل إنتاج الأرز المحلي.

وافتتح المركز الوطني الصيني لبحوث وتطوير الأرز الهجين في مايو الماضي مركزا للبحوث في مدغشقر لاختيار أنواع الأرز الهجين التي تتناسب مع البيئة الأيكولوجية المتنوعة في الدولة، بهدف إيجاد محاصيل أكثر إنتاجية للقارة التي طالت معاناتها بسبب عدم كفاية إنتاج الحبوب.

وفي ولاية كيبي شمال غربي نيجيريا، وقف الخبير الصيني وانغ شيوي مين في حقل أرز وسط نباتات خضراء، قائلا “هذا العام، نستخدم تكنولوجيا جديدة في الرش، يمكن أن تقلل بشكل كبير من العمالة وغيرها من التكاليف”.

وأوضح أن التربة والمناخ وأساليب زراعة الأرز في نيجيريا تختلف اختلافا كبيرا عن الصين و”لقد واجهنا الكثير من المشاكل في البداية”.

وفي 2006، بعدما زرع وانغ وزملاؤه البذور، لم تتمكن تقنياتهم ومعداتهم من التكيف مع بيئة التشغيل، وتعدت الأعشاب الضارة على مئات الهكتارات من حقول الأرز بشكل شبه كامل.

وقال وانغ حينها “لقد أدركنا أن النسخ الأعمى للنموذج الصيني غير مفيد لأنه من الضروري الابتكار المستمر في تقنياتنا لتتلاءم مع الوضع المحلي في أفريقيا”.

وبعد أكثر من 10 سنوات من البحث والابتكار، أصبحت المزرعة النيجيرية الآن مركزا رئيسيا للتدريب والإنتاج الآلي في البلاد. وقد تم تأهيل أكثر من ألف من المزارعين وموظفي إدارة الآلات.

وفي منطقة تشاي تشاي جنوبي موزمبيق، تقع مزرعة وانباو للأرز باستثمارات من قبل صندوق التنمية الصيني الأفريقي، وهي أكبر مشروع من نوعه لبكين في أفريقيا.

وفي وجود أراض شاسعة صالحة للزراعة ومناخ موات وموارد مائية وفيرة ودعم الصين، يخطط هذا المشروع لتغطية 20 ألف هكتار.

وفي كينيا وأنغولا زُرعت بذور الأرز الهجين، الأمر الذي ساعد المزارعين على تحقيق إنتاج ودخل أعليَيْن. كما ينتظر المزارعون في بلدان أخرى، مثل سيراليون وزامبيا وزيمبابوي، بفارغ الصبر وصول البذور التي من شأنها أن تجلب الأمل والازدهار.

ويتوغل في أفريقيا
الطلب المتزايد على الأرز في غرب وعبر أفريقيا جعل القادة السياسيين وشركاء التنمية يبحثون عن وسائل لتلبية هذا الطلب المتزايد. وعليه طُورت العديد من الأصناف الهجينة عالية الغلة في العديد من البلدان الأفريقية، وذلك منذ إطلاق برنامج الأرز الهجين في عام 2010.

فمثلًا أُطلق في السنغال الأرز المهجن العطري (AR051H) عام 2017 من قبل المعهد السنغالي للبحوث الزراعية تحت اسم «ISRIZ 09». وحاول برنامج الأرز الأفريقي الذي أُطلق في أفريقيا بناء أنواع هجينة، طورها مشروع «Green Super Rice» الذي نُسق بشكل مشترك مع الأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية (CAAS) والأرز الأفريقي و«IRRI».

وقُيمت الأنواع الهجينة من المشروع من حيث الإنتاجية في ثمانية بلدان أفريقية، هي ليبيريا، ومالي، وموزمبيق، ونيجيريا، ورواندا، والسنغال، وتنزانيا، وأوغندا.

الأرز الهجين في مصر
تعد مصر هي الدولة الوحيدة التي نجحت في تطوير الأرز الهجين على نطاق تجاري. وقد بدأت أبحاث الأرز الهجين في مصر عام 1982. وطُورت أصناف لمساعدة المزارعين المصريين على تحسين الإنتاجية، وزيادة الإنتاج، ويقف مركز القاهرة للبحوث الزراعية ومركز بحوث الأرز والتدريب (RRTC) وراء المشروع الواسع لتربية أنواع جديدة من الأرز الهجين.

ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، فإن التهجين يهدف إلى زيادة إنتاج الأرز المصري لسد فجوة الإنتاج الناشئة عن النمو السكاني بنسبة 2.2% سنويًّا إلى جانب محدودية الموارد الأرضية والمائية.

كما يُذكر أن هذه الأنواع الهجينة عززت متوسط الغلة في مصر. كما كان أعلى متوسط ​​إنتاج محلي للأرز في العالم في عام 2005 هو 3.8 أطنان مترية لكل فدان من مصر؛ ما يجعل من الأرز المهجن مستقبل الغذاء في العالم، وأمل الدول الأفريقية للحماية من المجاعات.

المصدر: مواقع إخبارية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى