إضاءاتالعناوين الرئيسية

أدونيس .. خيرُ البلاد ماحملك .. بوزينون الحكيم

أن تختار منفاك فهو امتياز تمنحه لنفسك أو تمنحه الصّدفة والحظ السّعيد، هل كان اختيارُك والصّدفةَ السّعيدة التّعويذة َالمضادة للعنة الجغرافيا وأيديولوجيا العقم! ربّما،

وربّما هو نداء الحرّية المصعّد من جدليّة الوجود والحرّية، من التأمّل بجماليّات عالم بلا حدود، عالم ملغّز تترجمه أحاسيس مرهفة شعراً وفنّاً وموسيقى، أمّا فيوضات الأسئلة الفلسفيّة الكبرى فكفيلة برمي عالم الأيديولوجيات بكامل حمولاته من لغات ميتة في مكبّ الكتب الصّفراء المغبرّة.

اللّغة الميتة تقتل الإحساس بالحياة، تكرّر مفرداتها ومقولاتها، فيرِثها الخلف الصّالح السّياسيّ- الدّيني، تنجدل في حباله الصّوتيّة ولسانه وعقله محراباً للتّقية ومعتَقَلاً للوعي والتّساؤل.

أدونيس المنفيّ طوعيّاً، شاعر الرّؤيا ونبيّ القلق والنّاقد الرافضي (ليس بالمعنى الدّيني) للتراث الاتّباعي الدّيني والسّياسيّ (الثّابت والمتحوّل)، وقاموس معرفة ولغة تجدُّدٍ معرفيّ مواكبة للحداثة ومابعدها، والمنهج النّقدي المتفرّد في نظرته وقراءته وأدواته، مستوحياً منهجه من خصوصيّة التّاريخ والتراث الّذي تناوله بالنّقد..

أدونيس طائر الشّوك الّذي لايموت، مع كلّ شوكة يغرسها في قلبه يصدح بأعذب الألحان، أعطى عالم الأدب في الشّعر والنّقد عصارة فكر نيّر متماه، ونزوعه الفلسفي ورؤيته لمستقبل عالم متفائل وخالٍ من الحروب والعنف الجماعيّ والفردي، وإنسانه المنشود متماه بفضاء بلا نهاية، يمطرنا بأسئلة هي بنتُ جدليّة العقل- المعرفة، فيحرّض على اكتشاف حقائق تقود إلى حقائق متحرّكة أخرى. أحلام ورؤى تُبدع أحلاماً ورؤى متحرّكة.

أدونيس خيرُ البلاد ماحملك ..

برفضه نهج التّلقين والأجوبة الأيديولوجيّة الجاهرة، اختار أدونيس المنفى، ففي الدّينيّ دعا إلى قراءةٍ و (تأويلٍ عقليّ) للتّراث وللنّص الدّيني، قراءة لاتستند إلى أحكام مسبقة، ورفض الاتّكاء على التأويل المفترض مسبقاً أن النّص الدّيني نصّ منغلق على ذاته، وأنه يكتنف الحقيقة النّهائية المطلقة، الحقيقة الّتي لاتقبل النّقاش والحوار من داخلها، واستنطق النّص الديني إن لم نقل حاكمه أو استجوبه.

يطرح عليه الأسئلة، يذكّره أن سلطته مؤقّتة، ترتبط وتنتهي بزمنه، ولاتعطيه حقّ التّمدّد والهيمنة على الرّاهن والمستقبل! فتخضعهما لمعايير زالت بانقضاء حقبتها.

في السّياسي العربيّ؛ اللّامنفصل عن الدّيني يؤكّد أدونيس في أكثر من حوار أنّ العالم العربي الإسلامي، المثقل بحمولاته العقائدية (ومايزال يقدّسها ويعيشها ويستميت في إعادة إحيائها) يعيش خارج الزّمن الواقعي للعالم، يستنسخ إيديولوجياته الميتة بلا كلل، ويخاطب العالم بلغة ميتة. بتعبير أدق حسب قوله: إنّ الشرق العربي الإسلامي عالة على الفكر الإنساني وعلى إنجازاته المعرفيّة والتكنولوجيّة.

قامة ثقافية عالمية ..

في طروحاته وأسئلته الوجودية والماورائية، يؤكد في نتاجه الشّعري أو موقفه النّقدي أو في مقابلاته المرئية؛ باستمرار أنّ الإنسان- بوصفه كائناً سامياً- يستحق حياة كريمة لائقة بإنسانيّته، حياة تُحترم فيها حريّتة الدينيّة والفكريّة، والحريّة الفرديّة في هذا السّياق وخارج بنية اجتماعية حرّة تبقى نوعاً من الهراء، إنّ عيش الحريّة من بدهيات الحقوق الإنسانيّة العامّة، فلامعنى لحريّة السّيد الفرد في مقالع الرّخام ومناجم الفحم وهو يدخّن الغليون ويسوط بالكرباج عمّاله من الفقراء والأسرى والعبيد.

في دعوته لفصل الدّين عن السّياسة استكمل شروط وصرامة قرار نفيه! فسجلُّ التّكفير والعنف الدّموي العربي الماضي والرّاهن حافل، والتّهم وأحكام التكفيرجاهزة لتنفيذ جرائم التّصفية الجسدية للمفكرين الأحرار، ويبقى إحراق إنتاجهم الفكري ومنعه من التّداول من الأحكام المخفّفة الّتي تتفضّل بها بعض الانظمة والمؤسسات الدينية.

رغم قسوة المنافي، ربّما كان من فضل الأيديولوجيا ثنائيّة القطب (الدّينية والسّياسيّة) على أدونيس، أن أطلقته إلى العالم في سنّ مبكّر من حياته، فعلى امتداد ضّفة المتوسط اللبنانيّة فالأوربيّة، وصولاً إلى القارات الخمس التقى الشّاعر والمفكّر حلمه الواقعيّ وحقّق مشروعه الثّقافيّ، فنال من الاحتفاء العالمي ومن الجوائز العالمية مايحلم بنصفه شعراء ومفكّرون.

أدونيس اليوم قامة ثقافيّة عالميّة وشخصيّة ثقافيّة إشكاليّة؛ خاصة في الأوساط الثّقافية العربيّة، وإشكاليّته برأيي ترجع إلى مخزون منتقديه ومؤيّديه الثّقافي ، وإلى المرتكزات الفكريّة والإيديولوجية لأبناء التّراث الواحد، لكنّ الإنسان العالميّ بصلابته في موقفه من الدّين والسّياسة، المنفيّ طوعاً جرياً خلف حرّيته وحلمه المشروط بتحقّقها، الإنسان العالمي في لحظة شغف وحنين وتوق إلى وطنه الأمّ ردّ جواباً على سؤال المحاور: سوريا معي أينما حللت،لكنْ .. سوريا تركتني.

.

*”خير البلاد ماحملك” عبارة للإمام علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه.

 

*بوزينون الحكيم .. كاتب وشاعر سوري 

.
صفحاتنا على فيس بوك – قناة التيليغرام – تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى